ما حقهم في ذبحي؟
لقد قال تشارلز ديكنز في مقدمة الطبعة الثالثة لروايته «أوليفر تويست» عام ١٨٤١: «لقد فعلتُ أفضلَ ما أستطيع». وكأنما أراد أن يدفع عن نفسه سهام النقد التي وجهت إليه، قائلين إن روايته تستظل بظل «روايات نيوغيت - Newgate»، ذلك الأدب الذي، كما يصفه ستيفن غيل، «يضفي هالةً من البهاء على الجريمة». وربما لم يكن ديكنز بهذا القول يدافع عن اتهام واحد، بل عن سلسلة لا تنتهي من الجدل الذي أثاره العالم الغني، لكنه المؤلم، في «أوليفر تويست».
لقد عُدت الرواية واحدةً من أبرز الأمثلة التي حملت مشاعل العداء للسامية في الأدب الإنجليزي، حيث تجسد ذلك في شخصية «فاجن»، الذي أصبح اسمه مرادفاً، كما يصفه هاري ستون، «للخسة والشر». ومثلما زاد تصوير فاجن قتامة بفعل الانحياز البغيض لليهود في كتابات ديكنز المبكرة، فإن الرواية نفسها تحمل إشارات إلى وعي أخلاقي أكثر تطوراً، كان الكاتب في طور تشكيله. فعندما يصل القارئ إلى المشهد المأساوي الذي يُعنوَن بـ«الليلة الأخيرة لليهودي»، نجد أن قضيتي معاداة السامية وعقوبة الإعدام تتشابكان في رؤية واحدة، بحيث لا تبدو المسألة مجرد اعتذار خفي عن أخطاء الماضي، بل تطور فكري وفني لدى ديكنز.
إن ندم ديكنز لاحقاً على ما وصفه هاري ستون بـ«التحيز الطائش» يتجلى في أعماله المتأخرة. ولعل أبرز دليل على ذلك شخصية «ريا» في روايته الأخيرة «صديقنا المشترك»، التي وُصفت بأنها اعتذار متكلف عن فاجن. لكن هل يُعقل أن يكون هذا التطور قد حدث خلال كتابة نص واحد؟ هذا الافتراض يبدو بعيداً ما لم نؤمن بعبقرية ديكنز. ومع ذلك، ثمة عاملان يعززان هذا الزعم. أولهما هو أن «أوليفر تويست» كُتبت على مدار سنوات طويلة، إذ بدأ العمل عليها في مقتبل العشرينيات من عمره، حين كان وعيه قيد التكوين، ولم تنتهِ الرواية إلا بعد سنوات عديدة، مما يتيح مجالاً لتغير رؤاه. وقد نجد هذا التغير متجلياً في التحول الذي طرأ على تصوير فاجن من كائن مقيت في البداية إلى شخصية بائسة ومثيرة للشفقة في الزنزانة، تنتظر حتفها.
أما العامل الثاني فهو السياق الثقافي المتغير، فقد عاش ديكنز في عصر شهد فيه وضع اليهود في إنجلترا تحولات كبرى بين ١٨٣٠ و١٨٦٠. ومع ذلك، كانت معاداة السامية متجذرة في القوانين والخطاب الثقافي، بل وحتى الأدب. وكان من الطبيعي أن يعكس ديكنز هذا الإرث في شخصياته، وإن كان ذلك لا يعفيه من المسؤولية. في كتابه «رسومات بوز»، يقدم ديكنز صوراً حادة ومليئة بالتحيز عن حي يهودي، يصوره مليئاً برجال يهود يجرون المارة قسراً إلى محالهم. لكن مع تقدم الزمن، ظهرت محاولات ديكنز للتكفير عن أخطائه. إحدى أبرز تلك المحاولات تمثلت في مراسلاته مع السيدة إليزا ديفيس، التي اتهمته بتشجيع «تحيز وضيع ضد اليهود». وقد رد عليها ديكنز لاحقاً مؤكداً أنه يحمل «احتراماً صادقاً للشعب اليهودي».
وفي سنواته الأخيرة، أجرى تعديلات على نص «أوليفر تويست»، حيث أزال معظم الإشارات إلى فاجن باعتباره «اليهودي»، واستبدلها باسمه أو ضمير الغائب. إن كان هذا التطور الفكري يعكس تحولاً حقيقياً في وعي ديكنز أو مجرد مجاراة للعصر، فإن الإجابة قد لا تكون ضرورية. فما هو واضح أن ديكنز، في سنواته الأخيرة، أبدى حساسية أكبر تجاه اليهود، وهي حساسية غابت عن كتاباته المبكرة، ليترك إرثاً مليئاً بالتناقض بين التحيز والغفران.
إذا كانت رحلة ديكنز مع اليهود تبدأ من أرض الجهل ثم تنتهي على شواطئ التنوير، فإن موقفه تجاه عقوبة الإعدام يبدو وكأنه يبحر في اتجاه معاكس. ففي عام ١٨٤٦، عبّر ديكنز عن أفكاره بشكل صريح في سلسلة من الرسائل الموجهة إلى صحيفة الديلي نيوز، ختمها بتأكيد لا لبس فيه: «أرجو أن يُفهم موقفي كدعوة لإلغاء عقوبة الإعدام بالكامل، كمبدأ عام» («ديكنز حول عقوبة الإعدام»). إلا أن موقفه تغير بحلول عام ١٨٥٩، عندما ناقش قضية القاتل المدان توماس سميثرست، حيث قال ديكنز بكل جرأة: «سأشنق أي وزير داخلية، سواء كان من المحافظين أو الإصلاحيين أو غير ذلك، إذا تدخل لإنقاذ هذا الوغد الأسود من المشنقة».
يفسر فيليب كولينز هذا التغيير بالإشارة إلى أن ديكنز لم يكن محصنًا من الميل البشري الشائع إلى أن يكون أكثر تطرفًا وإصلاحية في شبابه، وأكثر محافظة أو رجعية في سنواته اللاحقة. ويضيف كولينز:
من الممكن بالطبع أن يحمل الإنسان رؤية راديكالية شاملة، لكنه في الوقت نفسه يظهر رجعية تجاه بعض القضايا الاجتماعية المحددة، مثل العدالة الجنائية. ولكن هذا التراجع نحو الأفكار الرجعية السائدة بخصوص الانضباط في السجون، جنبًا إلى جنب مع تخليه عن معارضته السابقة للجلد والإعدام، لا يتماشى مع الصورة التي نحتفظ بها عن ديكنز كراديكالي متزايد الوضوح في معارضته لبنية وأيديولوجية مجتمعه.
توضح هذه الحجة كيف يمكن لشخص واحد أن يكون متقدمًا للغاية في فهمه لبعض القضايا، مثل التحيز الثقافي والعنصري، بينما يصبح محافظًا أو حتى رجعيًا تجاه قضايا أخرى كالجريمة والعقاب. لكن إذا كان موقف ديكنز من اليهود قد تطلب فقط تصحيحًا لجهل مبكر، فإن موقفه من عقوبة الإعدام كان أكثر تعقيدًا. ومن المهم أن نشير، منذ البداية، إلى أن ديكنز، حتى خلال سنوات احتجاجه ضد عقوبة الإعدام، تمسك بفصل واضح بين رفضه للممارسة نفسها كوضعية أخلاقية وبين امتناعه عن إظهار أي تعاطف عاطفي مع المجرم. ففي أولى رسائله، بتاريخ ٢٣ فبراير ١٨٤٦، كتب إلى الديلي نيوز:
أريد أن يكون موقفي واضحًا منذ البداية: أنا لا أكتب بروح من التعاطف مع المجرم. بل سيكون جزءًا من هدفي أن أوضح كيف أن المشاعر المرضية المقززة التي ظهرت مؤخرًا لصالح المجرمين لا تستحق سوى الإدانة («ديكنز حول عقوبة الإعدام»).
لكن اعتراض ديكنز على عقوبة الإعدام لم يكن مبنيًا على عواطف، بل على أسس عملية بحتة. فقد رأى أن الإعدام يعجز عن تحقيق العدالة أو الإصلاح، قائلاً: «أشك في إمكانية أن يُحدث الإعدام تغييرًا كبيرًا في قلب أو طبيعة أي إنسان خلال تلك اللحظة المحمومة بين صدور الحكم وتنفيذه». كما أعرب عن قلقه بشأن احتمالية وقوع أخطاء قضائية: «من الأفضل أن يفر مئات من المذنبين من العقاب على أن يُدان شخص بريء واحد».
هذا التوتر بين افتقاده للتعاطف مع المجرمين ودعوته إلى معاملة إنسانية لهم يتجلى في تصويره لشخصية فاجن في الفصل قبل الأخير من «أوليفر تويست». ورغم تعقيد موقف ديكنز من عقوبة الإعدام، إلا أن موقفه كان واضحًا وحاسمًا تجاه الإعدامات العلنية. ففي هذا الجانب، حقق ديكنز انتصارًا كبيرًا لبلده، حيث ساهم في إلغاء الإعدامات العلنية عبر قانون تعديل عقوبة الإعدام لعام ١٨٦٨، الذي جعل الإعدامات خاصة. وأشار فيليب كولينز إلى أن ديكنز طالب بهذا الإصلاح قبل عشرين عامًا من إقراره، ويُنسب إليه فضل كبير في تحقيقه. ولكن في عام ١٨٤٦، عندما كان ديكنز يدعو إلى إلغاء كل من الإعدامات العلنية وعقوبة الإعدام ذاتها، رأى أن القضيتين متداخلتان. وكما أشار ستيفن غيل، لم تكن الإعدامات العلنية خالية من القلق بشأن «سلوك الجماهير أثناء الإعدامات، الذي أثار شكوكًا حول الادعاء بأنها تعزز الأخلاق العامة بتعزيز احترام القانون».
في إحدى رسائله بتاريخ ٢٨ فبراير ١٨٤٦، كتب ديكنز عن الجماهير التي حضرت تنفيذ حكم بالإعدام:
لم أر حزنًا، ولا رهبة مفيدة، ولا اشمئزازًا، ولا جدية؛ لا شيء سوى المجون، والانحلال، والسكر، والرذيلة بأشكالها المختلفة. لقد كان مشهدًا مثيرًا للاشمئزاز، لدرجة أنني شعرت أن القانون ذاته أسوأ من المجرمين، لأنه الأقوى، وينشر عدوى أكثر كآبة («ديكنز حول عقوبة الإعدام»).
وعلى الرغم من أن
هذه الرسالة كتبت بعد نشر «أوليفر تويست» بسنوات، إلا أن صداها يتردد في وصف ديكنز
لمشهد محاكمة فاجن وإعدامه. فعندما أُعلن عن إدانة فاجن، كتب ديكنز:
انطلقت صيحة فرح من الحشود خارج المحكمة، تحتفي بالخبر أن فاجن سيُعدم يوم الإثنين.
وعند مغادرة أوليفر
والسيد براونلو السجن حيث يُحتجز فاجن، يقدم ديكنز وصفًا للحشد المنتظر:
حشد عظيم كان قد تجمع بالفعل؛ النوافذ مليئة بالناس الذين يدخنون ويلعبون الورق لتمضية الوقت؛ الحشود تتدافع وتتجادل وتمزح.
في النهاية، يترك ديكنز لقرائه حرية الجدال حول شر فاجن وما إذا كان العقاب مناسبًا له، لكنه يجعل قبح المشاهد داخل المحكمة وخارج السجن أمرًا لا خلاف فيه.
إذن، ما الذي يكشفه الفصل الذي يحمل العنوان الأصلي «الليلة الأخيرة لليهودي» عن المواقف الأخلاقية لتشارلز ديكنز أثناء إتمامه «أوليفر تويست»؟ بما أن تبريرات ديكنز العلنية عن معاداته السابقة للسامية ومواقفه المتحمسة، وإن كانت متقلبة، تجاه عقوبة الإعدام قد ظهرت إلى حد كبير بعد نشر «أوليفر تويست»، فإنه ليس دائمًا من الممكن، أو حتى من المستحسن، أن ننسب هذه المواقف المتأخرة إلى عمل سابق. ومع ذلك، فإن رفض الرواية على أنها مجرد «نتاج شبابي» لن يأخذ في الاعتبار احتمالية أن ديكنز كان في حالة تطور مستمر في مواقفه وإعادة صياغتها بمرور الزمن. إن البراعة اللافتة في تصوير ديكنز لفاجن في لحظاته الأخيرة، خاصةً بالمقارنة مع العنصرية الصارخة التي وسمت أوصافه في الأجزاء المبكرة من الرواية، تُعد شهادة على وعي ديكنز بالطبيعة المعقدة والمتناقضة لبعض الأفكار والتمثيلات التي كان يعمل عليها في الرواية.
هذا لا يعني أن شخصية فاجن التي يقدمها ديكنز في فصل «الليلة الأخيرة لليهودي» قد تخلت بالكامل عن الارتباطات السلبية التي ميّزت وصفه في الأجزاء السابقة من الرواية — فحتى من باب الحفاظ على التماسك السردي، يبقى فاجن كما هو. ومع ذلك، يظهر لحظة خفية لكنها لا تخلو من الاستفزاز. بينما ينتظر فاجن النطق بالحكم الذي سيقرر مصيره قريبًا، يبدأ في مراقبة بعض المسؤولين في المحكمة بنفس الطريقة التي اعتاد بها تقييم ضحاياه المحتملين بين الأطفال الصغار الذين كان يدربهم على النشل:
عندما وجه نظره نحو القاضي، بدأ ذهنه ينشغل بطريقة ارتداء القاضي لملابسه، وثمنها، وكيفية وضعها عليه.
وعلى الرغم من أن هذا السلوك يُفسر سريعًا كوسيلة لتشتيت نفسه عن «الإحساس الكئيب الطاغي للقبر الذي فتح عند قدميه»، إلا أن لمحة فاجن في هذه اللحظة الحاسمة تظل تعكس الشخصية المحتالة التي تم تقديمها منذ بداية الرواية. لكن الأكثر إثارة للانتقاد هو المشهد الذي يزور فيه أوليفر، برفقة السيد براونلو، فاجن، حيث يقدم عرضًا للصلاة من أجل الرجل المدان. هنا يرفض فاجن العرض بسهولة، مانعًا نفسه من فرصة الخلاص المسيحي الأخيرة، وبهذا يُعزز الصورة النمطية التي تشكل أساس معاداة السامية الإنجليزية حتى النهاية. ومع ذلك، إذا كانت اللحظات الأخيرة لفاجن تميل إلى تأكيد أسوأ تحيزات المجتمع الفيكتوري تجاه اليهود، فإن ديكنز يضيف تعقيدًا لهذه الصورة. فرغم أن فاجن يرفض عرض أوليفر للصلاة المسيحية، إلا أنه لا يُظهر استجابة مختلفة عندما تأتي العروض من رجال دين من دينه الأصلي:
جاء رجال وقورون من طائفته للصلاة إلى جانبه، لكنه طردهم بالشتائم. وعندما كرروا جهودهم الخيرية، طردهم بعنف.
يستدعي هذا الحادث المشهد الأول الذي قُدم فيه فاجن للقارئ، حيث كان يُرى يعد النقانق، وهو «فعل» يوضح هاري ستون أنه «يصمه فورًا بصفته يهوديًا مرتدًا». هذا التفصيل المبكر، الذي قد يمر دون أن يلحظه القارئ بسهولة، يصبح أعمق عندما يُسترجع خلال هذا المشهد اللاحق الأكثر خطورة: إذا كان مشهد فاجن وهو يعد وجبة غير كوشير يعكس فشله في الالتزام بعادات ثقافته، فإن رفضه لتقبل عزاء الدين اليهودي في لحظات حياته الأخيرة يعكس قناعة راسخة. قد لا يكون فاجن بأي شكل من الأشكال شخصًا شريفًا، لكنه يعتزم مغادرة هذه الحياة بالطريقة ذاتها التي عاش بها طوال الوقت. ومع ذلك، لا يبدو أن ديكنز يقرر بشكل قاطع ما إذا كان يريد أن يصور فاجن في لحظاته الأخيرة كشخصية تستحق التعاطف، أو كشخصية بائسة لا أكثر. فعند إعلان الحكم بالإدانة، والاستقبال الصاخب من الجمهور لهذا الإعلان المتوقع عن الإعدام العلني، تكون استجابة فاجن الفورية ليست التحدي الذي يظهر لاحقًا عندما يرفض العروض المختلفة للصلاة من أجل روحه، بل تبدو كاستسلام:
كررت العبارة مرتين قبل أن يبدو أنه سمعها، ثم لم يزد عن الهمهمة بأنه رجل عجوز — رجل عجوز — ثم انخفض صوته إلى همس وسكت مجددًا.
يتكرر هذا المشهد بعد وقت قصير عندما ينادي السجان فاجن لاستقبال زيارة أوليفر والسيد براونلو، فيرد:
'هذا أنا!' صرخ اليهودي، متخذًا فورًا نفس وضعية الاستماع التي اتخذها أثناء محاكمته. 'رجل عجوز، يا مولاي؛ رجل عجوز جدًا جدًا!'
ما كان في المشهد الأول لحظة كآبة طاغية، يتحول هنا إلى محاولة مزيفة لاستدرار العاطفة. يطلب ديكنز من القارئ إدراك حيلة فاجن دون الوقوع في فخها، حيث يعود فاجن على الفور إلى حالته الأكثر «تطرفًا ورعبًا»، صارخًا:
اضربوهم جميعًا حتى الموت! ما حقهم في ذبحي؟
إذا كانت الصورة التي يقدمها ديكنز لفاجن في هذا الفصل مضطربة، فربما تعكس بدقة حالة الارتباك المستمرة التي عانى منها الكاتب نفسه تجاه هذه الشخصية. وفي مواضع أخرى من فصل «الليلة الأخيرة لليهودي»، يبدو أن ديكنز يذهب إلى نفس الدرجة من الشدة في محاولة إثارة التعاطف مع الشخصية، بقدر ما يحاول فاجن إثارة التعاطف لنفسه في مثل هذه اللحظات. وهو ما يتجلى في المشهد الذي يسبق النطق بالحكم عليه، حيث يحدق فاجن في وجوه الحاضرين في قاعة المحكمة: «لم يجد في أي وجه - ولا حتى بين النساء، اللواتي كنّ كثيرات الحضور - أدنى تعبير عن التعاطف معه، أو أي شعور بخلاف الاهتمام المفرط في أن يُدان».
التأكيد هنا على المشهدية، كما في المقطع الذي يفتتح هذا الفصل، يعيدنا إلى إدانة ديكنز لعقوبة الإعدام كعرض جماهيري؛ إذ يراقب فاجن الجمهور الذي يراقبه، فلا يرى سوى الاحتقار والتعطش للدماء في وجوه الحاضرين. لاحقًا، حين يكون فاجن مسجونًا في انتظار تنفيذ الإعدام، يتم وصفه بأنه «مجرم محكوم عليه ... جالس على سريره، يهز نفسه من جانب إلى آخر، بوجه أقرب إلى وجه وحش مصطاد منه إلى وجه إنسان».
هذا الوصف، الذي يربط فاجن بالحيوان، يُعدّ إنسانًا، ولكنه هذه المرة يثير الشفقة أكثر من الكراهية. وإذا كانت كلمات ديكنز تختزل إنسانية فاجن صراحة، فإن تأثير هذه الكلمات يفعل العكس تمامًا؛ فمن برودة تصويره لعملية المحاكمة والنطق بالحكم، إلى النظرة الختامية على «كل الأجهزة البشعة للموت» المستخدمة لتنفيذ الإعدام، يبدو أن ديكنز، في هذه المرحلة، ينظر إلى فاجن كشخص يستحق الشفقة، إن لم تكن الرحمة التامة، ما يجعله أخيرًا شخصية مكتملة الأبعاد. التطور من تقديم فاجن باعتباره الشخصية اليهودية النمطية الشريرة في بداية الرواية إلى هذا التصوير الإنساني يعدّ تحولًا دراميًا للغاية.
«أبرز لحظة تجسد الطريقة التي يستخدم بها ديكنز شخصية فاجن كتمثيل لليهودية وعقوبة الإعدام كأداة درامية للتعليق على كليهما» تأتي خلال لحظة نادرة من التأمل الجاد لدى فاجن. حين تردد في ذهنه الكلمات: «أن يُشنق حتى الموت»، يبدأ في التفكير في موقفه الطويل من النظام الذي حكم عليه الآن بالإعدام:
مع حلول الظلام، بدأ يفكر في جميع الرجال الذين عرفهم ممن ماتوا على المشنقة؛ بعضهم بسبب وساطته. كانوا يتتابعون أمامه بسرعة كبيرة، حتى أنه بالكاد استطاع عدهم. لقد رأى بعضهم يموت، بل وكان يمزح أيضًا لأنهم ماتوا وهم يرددون الصلوات. يا لها من ضوضاء مدوية أحدثها سقوط الحبل؛ وكيف تحولوا فجأة، من رجال أقوياء ونشيطين إلى أكوام من الملابس المعلقة!
هذه اللحظة تشير صراحة إلى مشهد سابق في الرواية، عندما يتأمل فاجن الفوائد الأنانية لعقوبة الإعدام:
يا لها من عقوبة رائعة هذه الإعدام! الرجال الموتى لا يتوبون أبدًا؛ الرجال الموتى لا يكشفون القصص المحرجة. آه، إنها شيء رائع للتجارة! خمسة منهم معلقون في صف واحد؛ ولا أحد منهم يتراجع أو يظهر الجبن!
التباين بين هذين المشهدين يمثل أحد أكثر التوترات إقناعًا وتحديًا في الرواية بأكملها. هل يعبّر ديكنز عن متعة ساخرة من المفارقة التي يواجهها رجل استفاد كثيرًا من عقوبة الإعدام ليصبح الآن أحد ضحاياها القساة؟ يبدو هذا الاحتمال قاسيًا للغاية. أم أنه فقط يسلط الضوء على المفارقة المأساوية لمثل هذه النتيجة؟ قد تكون دوافع ديكنز هنا أكثر تعقيدًا مما توحي به أي من الاحتمالين. عند العودة إلى موضوعات الخلاص التي تظهر في الرواية - والتي تتجسد ليس فقط في المحاولات الفاشلة لخلاص فاجن، ولكن أيضًا في محاولات التكفير الواضحة التي قامت بها نانسي، وندم الضمير لدى بيل سايكس - وفي اهتمام ديكنز بعدم قدرة عقوبة الإعدام على منح الخلاص للشخص المدان، يصبح فصل «الليلة الأخيرة لليهودي» النقطة المحورية للرواية في معالجة هذه القضية. حقيقة أن الرواية التي تتناول التقليد المعادي للسامية في الأدب الإنجليزي ورغبة ديكنز في ذلك الوقت في رؤية إلغاء عقوبة الإعدام تنتهي بشخصيتها اليهودية الوحيدة غير تائبة، ومعدومة في النهاية، هي مفارقة بقدر ما هي مناسبة. الخلاص الذي تقدمه نهاية الرواية لا يعود إلى فاجن، بل إلى المجتمع الذي يدعم كلا الآفتين الاجتماعيتين، وكذلك الكاتب الذي استغل إحداهما، والذي ربما تنبأ بالتعرض لاتهامات بالمشاركة في الأخرى. على الرغم من كل البلاغة التي أظهرها ديكنز لاحقًا حول هذه القضايا، فإن رواية «أوليفر تويست» تعبر عن مأساة كل من معاداة السامية وعقوبة الإعدام بشكل أكثر حدة من أي اعتذارات علنية أو خطب قدمها الكاتب فيما بعد.