براغماتية اللغة في المناجاة الداخلية

 

المنتج الأدبي هو بناء معقد تتوزع عناصره تحت زوايا معينة، يشمل الحكاية (الفضاء النصي المتخيل) والسرد (تقديمها وتفسيرها) الذي تحدده الذات المتكلمة، أو ما يسمى «ذات الخطاب». في هيكل العمل الأدبي الفني، تلعب المناجاة الداخلية دورًا هامًا ويشكل مجالًا فريدًا لوظيفة الخطاب. سأتناول هنا الإمكانيات اللغوية والبراغماتية للمناجاة الداخلية بوصفها تقنية لغوية تُنفذ من خلال مجموعة من الوسائل اللغوية والأسلوبية المستخدمة وفقًا لنوايا المؤلف. يتحقق هدف استخدام المناجاة الداخلية من جهة عبر تقديم موقف تواصلي موجه للمتلقين الخارجيين، ومن جهة أخرى، لا يقصد به أن يُدرك من قِبل الآخرين، وبالتالي يخلق نموذجًا لعملية تحدث داخلية عفوية، هي تيار الوعي بأكمله، أي العالم العاطفي-الارتباطي للذات، بما يشمل الإدراك والتفكير الحسي والارتباطي.

وقد أدى تحليل المناجاة الداخلية إلى مناقشة البراغماتية اللغوية لمجموعة من المفاهيم المترابطة التي يجب أخذها بعين الاعتبار: الحديث الداخلي، الصوت الداخلي، التيار اللفظي للوعي، التواصل داخل الشخص، والخطاب الداخلي. كان ليف فيغوتسكي أول من أشار إلى المفاهيم المتصلة بالحديث الداخلي، والذي عرّفه بأنه شكل من أشكال الحوار الموجه للذات في صمت، حيث قال: «الحديث الداخلي ليس جانبًا داخليًا من الخطاب الخارجي، بل هو وظيفة قائمة بذاتها». وتطورت هذه الفكرة في أعمال باحثين روس وأجانب، مما أثار ظهور عدد من المشكلات والافتراضات والاستنتاجات التالية:

  • بدأ الكلام كوسيلة اجتماعية وأصبح داخليًا كحديث داخلي، أي تفكير ملفوظ.
  • هويتنا الحقيقية تكمن في الحديث الداخلي، في ذلك التيار المستمر وإنتاج المعاني الذي يشكل العقل الفردي.
  • إذا كان الحديث الداخلي يتسم بإحساس حميم بالتفكير الفعال، فهو أيضًا بالتحديد تفكير بلغة.
  • الحديث الداخلي هو نسخة مختصرة من الكلام الفعلي، والكلمة في الحديث الداخلي ليست سوى «غلاف» للفكرة، وهو أناني إلى حد كبير، وليس من المستغرب لأنه مناجاة حيث المتحدث والجمهور شخص واحد.
  • يشمل الحديث الداخلي كلاً من الصوت الداخلي الذي نسمعه أثناء القراءة والحركات العضلية للأعضاء المشاركة في الكلام المصاحب (التحدث الصامت).

المناجاة الداخلية، المعروف أيضًا بالصوت الداخلي أو الحديث الداخلي أو التيار اللفظي للوعي، هو التفكير بالكلمات، مناجاة شبه دائمة يجريها الشخص مع نفسه على مستوى واعٍ أو شبه واعٍ. الكثير مما يصرح الناس بأنهم يفكرون فيه يمكن اعتباره مناجاةً داخليةً، وهي محادثة مع الذات، أو بروفة للكلام.

في مجال فلسفة اللغة، هناك الكثير من الأبحاث حول الحديث الداخلي وعلاقته ببناء واستخدام العبارات في اللغة الخاصة بالفرد، ومن هنا تتضح أهمية اللغة في عملية التفكير. وغالبًا ما يُستخدم مصطلح المناجاة الداخلية بالتبادل مع تيار الوعي. ومع ذلك، في حين أن المناجاة الداخلية قد تعكس كل الأفكار النصفية والانطباعات والارتباطات التي تقتحم وعي الشخصية، فإنه يمكن أن يكون محدودًا بتقديم منظم لتفكير الشخصية العقلاني. بمعنى آخر، فإن الديناميات النفسية التي تكشفها المناجاة الداخلية عادة ما توجد على مستوى ما قبل أو تحت اللغة، حيث تحل الصور والتداعيات محل المعاني الحرفية للكلمات.

ومن منهجيات دراسة المناجاة الداخلية، مقارنته بمفهوم التواصل داخل الشخص، الذي يُفترض أنه الاستخدام الداخلي للغة أو الفكر من قِبل المتواصل. يمكن تصور التواصل داخل الشخص في عقل الفرد كنموذج يحتوي على مرسل ومستقبل وحلقة تغذية راجعة. على الرغم من أن التواصل الناجح يُعرف على أنه تفاعل بين شخصين أو أكثر، إلا أن بعض الأسئلة حول الطبيعة المفيدة للتواصل داخل الشخص تؤدي إلى القول بأن التعريف ضيق للغاية، ولكنه لا يزال يعتبر تواصلًا كرسائل داخل شخص واحد. في الوضع الأدبي، يمكن أن يشمل التواصل داخل الشخص:

  • الحديث مع النفس - وهو ما قد يثير القلق عندما يحدث خارج الأوضاع الاجتماعية المقبولة، مثل علامات انفصام الشخصية.
  • المناجاة الداخلية هي المناجاة الداخلية شبه المستمرة الذي يجريها المرء مع نفسه على مستوى واعٍ أو شبه واعٍ.
  • كتابة الأفكار أو الملاحظات - أي الأنشطة الإضافية فوق التفكير، مثل الكتابة وقراءة ما كتبه الشخص قد تزيد من الفهم الذاتي والتركيز.
  • توليد المعاني - مثل تفسير الخرائط والنصوص والرموز الأيقونية، والتواصل غير اللفظي، إلخ.

وقد أشار العديد من الباحثين إلى تطور المناجاة الداخلية، مقدمين افتراضات حول طبيعته الأصلية. ويُقال إن الحديث مع النفس يمكن استخدامه لتجنب الصمت، أو بالعكس، للحفاظ على الاتصال المستمر مع أعضاء المجموعة، نظرًا لأنه في تاريخ تطور الإنسان كانت إشارة الخطر تُنقل عبر الصمت والتجمد.

ينبع التواصل داخل الشخص من سلسلة من التناقضات المنطقية واللغوية. يوصف التواصل داخل الشخص بأنه غامض بحد ذاته. فالكثير من التعريفات تبدو دائرية، حيث تستعير وتطبق وبالتالي تشوه الخصائص المفاهيمية الرئيسية (مثل المرسل، المتلقي، الرسالة، الحوار) المأخوذة من التواصل بين الأشخاص العاديين. قد تعتمد الكيانات المجهولة أو أجزاء من الشخصية على لغة خاصة جدًا، والتي، عند تحليلها، تُثبت أنها غير قابلة للوصول تمامًا في كثير من الأحيان. وأخيرًا، نميز بين «الخطاب الداخلي»، الذي يعد فعلًا بنّاءً للعقل البشري وأداة لاكتشاف المعرفة الجديدة واتخاذ القرارات. ومع المشاعر مثل الفرح والغضب والخوف والوعي الحسي، فهو واحد من الجوانب القليلة لمعالجة المعلومات وغيرها من الأنشطة العقلية التي يهتم بها الإنسان.

ثم يأتي رأيٌ بأن العقلَ ما هو إلا ما يعاينه المرء حين يغوص في تفكيره، وأن ما يُعتقد بأنه تفكيرٌ ما هو إلا كلماتٌ تُسمع في خطاب داخلي خفي. وهذا المفهوم الشائع عن العقل إما أن يعترض على حقيقة أن العقلَ مشغولٌ دوماً بمعالجة أنواعٍ شتى من المعلومات دون أن يشعر بها المرء، أو أن يُعيد تسمية هذه العملية وكأنها ليست من فعل العقل، بل من صنف الاستجابة الآلية (التفاعل).

ومرتبطٌ بذلك المونولوج الدرامي، فقد أصبح المناجاة الداخلية من الأدوات المميزة للروايات النفسية في القرن العشرين. في الأدب الروائي وغير الروائي، تُعبر المناجاة الداخلية عن أفكار الشخصيات ومشاعرها وانطباعاتها ضمن السرد، كما أوردت موسوعة بريطانية - Britannica. وقد تكون المناجاة الداخلية مباشرةً أو غير مباشرة:

مباشرة، حيث يبدو المؤلف غير مرئي، وتعبر الذات الداخلية للشخصية مباشرة، كما لو أن القارئ يسترق السمع إلى تدفق الأفكار والمشاعر التي تملأ عقل البطل (أو أي شخصية أخرى).

وغير مباشرة، حيث يعمل المؤلف كمنتقٍ ومقدمٍ ومرشدٍ ومعلق.

وهكذا، يتعدد شكل المناجاة الداخلية ليشمل الصراعات النفسية المسرحية، والتأملات الذاتية، والحوار المتخيل، والتبرير الذاتي. قد تكون تعبيراً مباشراً بصيغة المتكلم وكأنها من دون تدخل المؤلف، أو بصيغة الراوي الثالث التي تبدأ بعبارات مثل «فكر في» أو «تحولت أفكاره إلى». إن المناجاة الداخلية هي تقنية سردية تعرض الأفكار التي تمر عبر أذهان الأبطال، سواء كانت انطباعات مرتبطة بحرية أو تسلسلاً أكثر تنظيماً من الأفكار والمشاعر.

وفي الأدب الفرنسي، يمكن إظهار العالم الداخلي للشخصيات عبر المناجاة الداخلية. وكوسيلة لغوية لتطبيقه، نحلل الوحدات اللغوية ذات العلامات الأسلوبية التي تدل دلالياً أو نحوياً أو ارتباطياً على وجود مناجاة داخلية في سرد المؤلف، ويمكن ربطها بموقف الذات الداخلية للكلام. وهكذا، توصل العلماء بمرور الزمن إلى استنتاج مفاده أن التفكير كعنصرٍ من عناصر الوعي في العقل البشري، مقترناً باللاوعي، هو ظاهرة تستحق الاهتمام ليس فقط في مجالات المعرفة البشرية الخاصة كالفلسفة أو علم النفس أو الطب النفسي (علم الأمراض النفسية اللغوية)، بل أيضاً في اللسانيات.

وقد عبر يوري كارايلوف عن هذه المشكلة بوضوح: «إن الكلام الداخلي ليس بالأصلي تماماً، رغم أنه يُرتب حسب قوانين النحو والصرف في اللغة، ويزود ويُزين بمجموعة كاملة من النغمات والأنماط الإيقاعية ذات الأهمية الجمالية التي تجعل الكلام مفهوماً ومتاحاً للآخرين». ومن الواضح أنه في الأدب، يكتسب الكشف عن الإمكانات العملية للعناصر الشكلية أي أهمية مستقلة، ولذلك ينبغي الانتباه إلى تعقيد الوسائل اللغوية لنقل المناجاة الداخلية بمكوناتها ومستوياتها المتعددة في النص الأدبي: المعجمية، النحوية، الأسلوبية، والغرافيكية.

إن فرضية كارايلوف حول وجود لغة وسيطة كموضوع بحثٍ، وخاصة للغويين، لا تزال تنتظر تأكيدها. إن الأسباب التي تعوق هذه الدراسات ترتبط بالتحديات المنطقية والمنهجية. الأول يعود إلى الطبيعة الذاتية الفردية للغة الوسيطة، مما يجعل من المستحيل اختيار وتصنيف الوسائل اللغوية الضرورية. والثاني بسبب الاعتقاد الراسخ في الطبيعة الرمزية للوحدات اللغوية الخاصة، وهو أمرٌ مشكوكٌ فيه عند تصنيفها. وأخيراً، هناك عدم الكفاءة في الأساليب التجريبية للدراسات الحالية التي تحتاج إلى مزيد من التطوير.

لقد أدت الأساليب التركيبية المختلفة لإدخال المناجاة الداخلية في سرد المؤلف إلى تحديد هدف مقالتنا. البحث العلمي في هذا المجال يرتبط بتأكيد عدة أطروحات:

  • تسبق المناجاة الداخلية سرد المؤلف الذي يُسمى صراحةً أو يصف فعل التفكير أو الإدراك أو الشعور الذي يختبره الشخصية.
  • يمكن إدخال المناجاة الداخلية في السرد بعبارة تُنسب ضمنياً إلى فعل أو فكرة أو إدراك للشخصية.
  • تبدأ المناجاة الداخلية ببيان ينقل أفكار الشخصية في شكل خطاب مباشر.
  • تُنقل المناجاة الداخلية بتسمية لغوية لشخص أو شيء، تعكس وجهة نظر الشخصية بطريقة خاصة.
  • تتوقع المناجاة الداخلية افتراضاً يحتوي على بيانٍ يتناقض مع ما هو صحيح من وجهة نظر الراوي، وبالتالي من وجهة نظر القارئ كذلك.
  • في الأدب الروائي، يمكن الجمع بين شكلين من إظهار العالم الداخلي للأبطال، يعتمد ذلك على موقف الراوي واتجاهه نحوهم. فمن ناحية، تكشف هذه الوضعية عن مدى انفتاح أو انغلاق محتوى وعي الشخصية أمام الراوي، ومن ناحية أخرى، إمكانية وصف الشخصية من الخارج. وفي هذا الصدد، هناك نوعان رئيسيان من المناجاة الداخلية: الذاتاني (بصيغة المتكلم) والموضوعاني (بصيغة الغائب).

وفي النثر الفرنسي، فإن الأشكال الأسلوبية لنقل المناجاة الداخلية تُعد تقنيات فنية مستقلة، لأنها تمتلك عدداً من المؤشرات اللغوية ذات الصلة والدلالات الخاصة. وتشمل المؤشرات اللغوية التي تشهد على تفريق استخدامات صور الكلام الداخلي للشخصيات الوسائل النحوية، وهي نظام الضمائر الشخصية وأشكال الأفعال المختلفة: fabŭla، الزمن الحاضر للواقع الموضوعي، وزمن الماضي السردي، أي صيغة الماضي الناقص، عندما يصور المؤلف الكلام الداخلي للشخصية من خلال منظور الراوي الزمني.

في التواصل الأدبي، ترتكز طرق البحث الرئيسة على الأساليب الكمية والسياقية، بالإضافة إلى منهج التحليل المكوني. إن الحديث الداخلي للشخصيات في الخطاب الروائي الفرنسي يستعمل رصيداً واسعاً من الوسائل اللغوية اللفظية والأسلوبية. ويعتمد تطبيق هذه الأدوات على نوع الكلام الداخلي و«نمط التفسير»: الخطاب أو السرد. ووفقاً لنمط الخطاب، تكون المناجاة الداخلية للشخصية متعارضةً مع كلام الراوي، وتُظهر تشابهاً مع الكلام المباشر، بينما في النمط السردي، يُستوعب الكلام الداخلي للشخصية أو يتطابق مع كلام الراوي.

ويُعد البورتريه الخطابي للشخصية الأدبية عنصراً مهماً لوصف الشخصية، ولتمييزها عن غيرها من الأبطال، ومساعدة القارئ في مقارنة الأبطال الأدبيين، وإظهار حياتهم الداخلية وأنماطهم النفسية. لقد اعتمدتُ منهجاً شاملاً كأداة للتحليل الأسلوبي، الدلالي-التركيبي، والوظيفي للمواد اللغوية في أعمال الأدباء الفرنسيين.

تأتي المناجات الداخلية بصيغة المتكلم وصيغة الغائب جنباً إلى جنب في السياق، وكأنها تساعد المؤلف على عرض الظاهرة ذاتها من زوايا مختلفة. وهذا ما يُغني الرسم التعبيري والأسلوبي للسلوك، كما هو الحال في مقطع من رواية لويس أراغون «أورليان»:

أمضيتُ وقتًا طويلاً أتجولُ في قيسارية، حيث تبتعدُ الأبيات، ولكن هذا البيت كان يعودُ ويعود. لمَ؟ هذا ما عجزَ عن تفسيره. بعيدًا عن حكاية بربنيك، تلك الحكاية الحقيقية. وعلاوةً على ذلك، لم يتذكر منها إلا خطوطًا عريضةً من تلك الأنشودة العاطفية. تلك السمراء، بربنيكُ من المآسي، قيسارية تتربعُ على جانب أنطاكية، قرب بيروت. أرضٌ تحت وطأة الانتداب، هنا تُسدلُ الظلال، ويفيضُ الضجيج، وتتلاطمُ الأقمشة كالأمواج. قيسارية… اسمٌ يزدانُ بجمال المدينة، أو يُشبهُ نساءً فتانة. اسمٌ يشرقُ في كل الأحوال، قيسارية. لقد أقمتُ طويلًا في هذا المكان، أشعرُ بالملل. عجيبٌ أن أنسى: من كان ذلك الذي قال هذا، رجلٌ مُدمرٌ، عابسٌ، مُتعَبٌ، بعينيه كالفحم، مُصابٌ بالملاريا... الذي انتظر ليعبر عن مشاعره تجاه بربنيك، حين كانت على أعتاب الزواج في روما، مع شابٍ سمين، يشبهُ تاجرَ أقمشةٍ بارع، يرتدي التوج كأنما يروج لبضاعته. تيت. بلا مزاح. تيت.

تتداخل الأشعار في خَلَد أوريليان، تستمر في الظهور، مختلطةً بأفكار الفتاة بربنيك. كلمات الأبيات تتردد في نفسه: «أمضيتُ وقتًا طويلاً أتجولُ في قيسارية...»، تجسد معنىً متكررًا، وتكشف عن موسيقيةٍ تُرافق النص بأسره. تأتي مناجاته الداخلية في البداية من منظور الغائب، حيث يعبّر المؤلف عن تأملاته: «حيث تبتعدُ الأبيات، ولكن هذا البيت كان يعودُ ويعود. لمَ؟ هذا ما عجزَ عن تفسيره...». ثم يتبدل إلى منظور المتكلم: «أشعرُ بالملل. عجيبٌ أن أنسى: من كان ذلك الذي قال هذا». من هنا، ينزلق الشخصُ إلى الحديث عن نفسه في الغائب، كأنّه يتأمل ذاته من بعيد.

تتباين أزمنة الأفعال في حديثه الداخلي بين أسلوب الغائب والمخاطب. ففي حديث الغائب، يُستخدم الماضي الناقص: «ولكن هذا البيت كان يعودُ ويعود. لمَ؟ هذا ما عجزَ عن تفسيره...»، بينما في حديث المتكلم، يظهر الزمن الحاضر: «أشعرُ بالملل...». إن تحليل نوعي حديثين داخليين يُظهر أن المنظور الأول يتسم باستخدام مفردات زاهية، محملةً بالألوان البلاغية، تعكس ميزات اللغة الشفوية (اللهجات، والكلمات الشائعة، والاستعارات، والمبالغات، وما إلى ذلك)، ما يتعارض بشكل حاد مع أسلوب المؤلف. بينما يكون الحديث الداخلي في أسلوب الغائب موجهًا نحو لغة أدبية أكثر حيادية. تتكون وسائل التعبير في حديثه الداخلي من وحدات لغوية تُعبّر عن الفهم الذاتي للأحداث في الرواية، أي ذات معنىً ذاتي ويمتلك دلالات حسية تعود للفن الأدبي. تشمل هذه الوسائل اللغوية وحدات تعكس الخصائص الاجتماعية والنفسية للشخصية (المهنية، الاجتماعية، العمرية). كما تعكس هذه المفردات طبيعة المحادثات اليومية، بدءًا من الكلمات القاسية والساخرة، وصولاً إلى النبرة الحميمة والألفة.

دعنا نستشهد بمقطع من رواية مارتان دو غار «تيبو»:

وفي مؤخرة السيارة التي كانت تعيده إلى بيته، سيجارة تتراقص على شفتَيه، أدركَ أن المريض الصغير قد بدأ يتعافى حقًا، وأن يومه كطبيب قد انتهى، وأنه في صحة جيدة. 'أعترف أنني لم أكن فخورًا البارحة. عادةً، حينما يتوقف السعال فجأة... نبض جيد، بول جيد، لكن المريض يموت... الأمر يتطلب فقط تجنب التهاب الشغاف. الأم لا تزال امرأة جميلة. وباريس أيضًا جميلة هذا المساء...'

حتى وإن جهلنا أن أنطوان طبيب، لكان يمكننا استنتاج ذلك من الكلمات التي تجسد أفكاره، إذ إن المصطلحات المهنية تلمع فيها، كقوله: «نبض جيد، بول جيد، لكن المريض يموت». وسائل اللغة في التعبير عن المناجاة الداخلية تُقسم إلى نوعين: الصرفية والنحوية. أما الصرفية، فتشمل الاستخدام الفني لبعض أجزاء الكلام: الضمائر، أدوات التعريف، والتعجبات، بالإضافة إلى الأزمنة المختلفة. ففي مقتطف من رواية «أوريليان»، نلاحظ الضمائر الاستدلالية والتعجبات التي تندمج في الفكر الداخلي: «أشعرُ بالملل. عجيبٌ أن أنسى: من كان ذلك الذي قال هذا».

فالضمير يشير مباشرة إلى الموقف المرجعي، مما يمنح الجملة دلالة مألوفة كما يحدث في الحديث اليومي. بينما تلعب التعجّبات هنا دورًا في إيصال مناجاة البطل الداخلية، إذ تعبر التعجبات عن ردود الفعل الفورية للمتحدث، ومشاعر قوية وأحاسيس جياشة. شخصية تُعاني عواطف الأحداث التي تعيشها، تضم التعجبات في مناجاتها الداخلي. أما التركيب التعبيري، الذي يُنسب تقليديًا إلى نطاق الكلام الشفهي، فإنه يضفي على المناجاة الداخلية شعورًا حقيقيًا بالحيوية. إذ تتناسب بنية الجمل مع حقيقة أن القارئ يتعمق في عمليات التفكير، لذا يستخدم الكاتب غالبًا جملًا ناقصة، وأساليب التفكيك، وأسئلة بلاغية، ووسائل أخرى من التركيب التعبيري. فلنعتبر مثال التفكيك والحذف، اللذين يُسهمان في جعل القارئ يشعر بحيوية حديث البطل الداخلي.

دعنا ننظر إلى مثال التقطيع والحذف، الذي يساهم في مساعدة القراء على الإحساس بديناميكية مناجاة البطل الداخلية:

عمومًا، تلك الأبيات، هي... مستقلة تمامًا عن حكاية بربنيك... تلك الأخرى، الحقيقية...: تقع قيسارية في جانب أنطاكية، من بيروت. أرض تحت الولاية. هنا الظلام مُظلم، والضجة شديدة، والأغطية تكسو الوجوه. قيسارية... اسمٌ جليلٌ لمدينة. أو لامرأة. اسمٌ جميلٌ في كل الأحوال، قيسارية....

من بين الوسائل الأخرى التي تنقل المناجاة الداخلية في النص الأدبي، هناك الاستخدام الأسلوبي لمختلف التقنيات الرسومية، مثل الخط المائل، وحروف الجر الكبيرة، والتباعد، وما إلى ذلك. يلاحظ العديد من اللغويين الطابع الرمزي لتخطيط الكلمات، وعلامات الترقيم، والنقاط، بالإضافة إلى نوع الخط. لقد شعر بعض المؤلفين الموهوبين دائمًا واستفادوا من الإمكانيات البصرية للوسائل الرسومية.

في سياق الخصائص المحددة للمناجاة الداخلية في النثر الأدبي، ينبغي أن نلاحظ العوامل التالية التي تعزز من تطور هذه التقنية الفنية اللغوية:

  • عامل التعبير عن وجهة النظر؛ 
  • عامل الاقتصاد؛ 
  • عامل تخصيص السرد. 

دعونا نلقي نظرة فاحصة على كل من هذه العوامل.

تتيح المناجاة الداخلية للشخصيات في الرواية نقل وجهات نظر متنوعة حول الظواهر الموصوفة. هناك من يرى أن النظام الفني يتكون كهرمية من العلاقات. فمفهوم «امتلاك القيمة» يتطلب علاقة واضحة، وحقيقة وجود توجه معين. حيث إن النموذج الفني في أبسط صوره يعيد إنتاج صورة العالم بالنسبة لوعي معين، أي أنه يمثل العلاقة بين الإنسان والعالم، سيكون لهذا التوجه طبيعة موضوعية-ذاتية. وفقًا ليوري لوتمان، فإن قلة من العناصر في التركيب الفني ترتبط بشكل مباشر بمهمة توضيح صورة العالم مثل وجهة النظر، حيث ترتبط مباشرة بمسائل مثل موقع منشئ النص، ومشكلة الحقيقة، ومشكلة الشخصية. لقد انتشر مبدأ استعارة وجهة نظر الشخصية من قبل الراوي على نطاق واسع في الأدب الفرنسي، وأصبح جزءًا لا يتجزأ من الأسلوب الأدبي لكُتّاب مثل غي دو موباسون، وإميل زولا، وأناتول فرانس، ورومان رولان، ومارسيل بروست، ومارتن دو غار، وفرانسوا موريياك، ولويس أراغون، والعديد غيرهم. وهذا ما حدد التطور اللاحق لتقنية المناجاة الداخلية في الرواية الفرنسية.

تظهر المنجاة الداخلية في الرواية كسرد اقتصادي. فهو يُقدّم في آن واحد تطور الحبكة ويكشف عن صور المؤلف والشخصيات. فمن الأكثر اقتصادًا إدخال تقنية المناجاة الداخلية في النثر، مما يجعل القرّاء يتفكرون في الهيكل المعقد للتحولات الفنية للمؤلف، دون إثقال النص بالتفاصيل والانتقالات غير الضرورية. تركّز انتباه القارئ بالكامل على الصور الفنية للكاتب، بينما تُعقد أنماط الكلام المنقول («قال»، «فكّر»)، في المقابل، الإدراك، ولا تقدم معلومات محددة تشير إلى العلاقة بين فكرة المؤلف وشخصيات الرواية.

تساعد المناجاة الداخلية في النص الأدبي على توفير موارد اللغة. تظهر «نزعة التقلص» في اللغة الفرنسية، وفقًا لتشارلز بالي، نتيجة لتأثير عامل توفير الجهد البشري. إن استخدام المناجاة الداخلية تُظهر ميلًا لتبسيط هيكل كلام النص، مستبدلةً الأشكال الفعلية المركبة بالأشكال البسيطة، مُلغيةً الكلمات الإضافية والمُقَدِّمة. ومع ذلك، فإن هيكل المناجاة الداخلية هو أحد أكثر الأنظمة تعقيدًا في العلاقات الدلالية بين جميع الأشكال المتاحة للتعبير في اللغة الفرنسية.

في المناجاة الداخلية لشخصية ما، تُقدّم أحداث الحبكة من منظور إدراكه ووعيه، أي تعكس هذه المواقف في وعي الأبطال. يفترض الإبلاغ عن أي واقع، سواء كان حقيقيًا أو متخيّلًا، أن هذا الواقع قد تم استقباله واستيعابه من قبل شخص ما. إن «الاستبطان لشيء مصوَّر»، المُمَيز بوسائل اللغة والمُمرّر عبر وعي البطل، يجعل خطة الشخصية أكثر وضوحًا وملموسية. ترتبط فئة الصياغة التي تتعلق بانعكاس مثل هذا الاستبطان في تحليل الواقع المحيط من خلال وعي الفرد (ليس بالضرورة من خلال وعي منشئ النص) بفئة الإدراك. إن مسألة فئة الصياغة، وطبيعتها، ووسائل تحقيقها هي مسألة معقدة ومثيرة للجدل، ولم تؤدِّ المحاولات لحلها إلى فهم واضح للحدود اللغوية.

تعريف الصياغة الذاتية المقبولة عمومًا هو موقف المتحدث تجاه محتوى البيان. ومع ذلك، لا يوجد توافق بين المؤلفين في اختيار المعاني الصياغية الذاتية. وبالتالي، فإن وجهة النظر الشائعة، التي تعبر عن علاقة المتحدث بالبيان والواقع، تتم أساسًا من خلال كلمات تمهيدية ذات معنى صياغي. نحن نلتزم ونتبع وجهة نظر إبيفانتسيفا، التي ترى أن الصياغة يمكن تفسيرها كغربة متبادلة بين الذاتي والموضوعي في هيكل البيان. في جوهر هذه الغربة يكمن التباين المتأصل في وعي الإنسان المتطور «أنا – أنا» و«غير أنا – أنا». في هذا الفهم للصياغة، يكون أساسها الدلالي هو الفئة القيمية (التقييم). تشمل قاعدة الصياغة الذاتية-التقييمية أخذ في الاعتبار العنصر العاطفي في علاقة الذات بالمعلومات، دون قصر معاني الوحدة الصياغية على المحتوى المنطقي فقط. تنقل وجهة نظر المتحدث جوانب متعددة من التقييم في المعالجة الفكرية للمعلومات.

يعتبر عدد من الفلاسفة الصوتيات التكوينية وسيلةً للقيم الصياغية الداخلية. ويعتقد باحثون آخرون أن المعاني الصياغية يمكن نقلها من خلال وسائل إضافية نحوية، أو نحوية-صوتية، تُفرض على شكل جملة معينة. إلى جانب التنغيم، تشمل هذه الوسائل ترتيب الكلمات، والبناءات الخاصة، والتكرار، والجزئيات، والتعجُّبات، ومجموعات متنوعة من الكلمات التمهيدية (الصياغية). بالإضافة إلى ذلك، نؤكد أن بعض أجزاء الجمل تُصنف على أنها كلام مباشر أو كجزء من قسم متصل في الكلام الحر غير المباشر. قد تحتوي المناجاة الداخلية أيضًا على عناصر من التفكير غير اللفظي.

إن تلخيص الخصائص اللغوية-البراغماتية للحوار الداخلي في الأدب الروائي يوضح العلاقة الواضحة بينه وبين تيار الوعي، والكلام الداخلي، وصوت الذات. في النص الأدبي، يتجلى ذلك من خلال مجموعة متنوعة من العناصر الشكلية-اللغوية، بما في ذلك الوسائل الرسومية. في الوقت ذاته، يظهر الاتصال الداخلي على ما يبدو من ميل لتفسير العمليات الذهنية الداخلية التي تسبق وترافق سلوكنا التواصلي، وكأنها نوع آخر من العملية التواصلية. والمعنى العام هنا هو أن هذا الإعادة في اللغة والأمثال اليومية العامة قد تكون مشكوكًا فيها أو ضعيفة في أفضل الأحوال.

إن الخطاب الداخلي يشبه المناقشة مع الشخص الثاني. وتبدو الصورة المثالية للمناجاة الداخلية هي التي تبدأ بالحقائق وتستمر بصرامة منطقية حتى الوصول إلى حل. وفقًا لهذا المفهوم من التفكير، يتحقق التقدم عندما يتعلم الشخص تقييم مدى صواب الأحكام، وعندما يتعلم تجنب الأخطاء المنطقية. إن تطور المناهج من دراسة الشخص المتحدث كموضوع لنشاط عقلي إلى اعتباره كموضوع للتواصل يؤكد التماسك المفاهيمي في فهم فئة الذات، ويبرر الاستمرارية المعرفية في اللغويات الفرنسية. في الرواية الفرنسية، يمكن دمج شكلين من إظهار العالم الداخلي للشخصيات، وهو ما تم إثباته من خلال مجموعة من الأمثلة المحددة. ومن ثم، تم تمييز نوعين رئيسيين من الحوار الداخلي في السرد المؤلف، بناءً على الروايات الفرنسية المذكورة في هذا السياق: الحوار الذاتي – من منظور الشخص الأول، والحوار الموضوعي – من منظور الشخص الثالث.

بينما تستخدم المناجاة الداخلية الرسمية ضمير المتكلم والأفعال المنتهية في الزمن الحاضر، تساهم العوامل التالية في تطوير هذه التقنية الفنية-اللغوية: ١) عامل التعبير عن وجهة نظر السرد؛ ٢) عامل الاقتصاد؛ ٣) عامل تخصيص السرد. يتم إدخال المناجاة الداخلية في السرد إما عن طريق تحديد الموقف المرجعي باستخدام الضمائر والصفات الإشارية، أو عن طريق وسائل الظروف الزمنية والمكانية التي تتبع موقف الشخصية بدلاً من موقف الراوي؛ مما يتضح فيه العنصر العاطفي والتقييمي. وبذلك، فإن اللغويات البراغماتية للمناجاة الداخلية في الأدب الفرنسي تمثل مجالًا واسعًا للبحث في الوسائل اللغوية والرسومية المتحدّة عبر مهمة فنية مشتركة. لذا، فإن التقنية المسماة المناجاة الداخلية، وإدخالها في التواصل الأدبي الوسيط، بالإضافة إلى خلق نموذج لعملية الكلام الداخلي غير المقصود (المتدفق بشكل عفوي) هي مسألة مبررة وتستحق الاهتمام في الأعمال العلمية الواعدة المقبلة.

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق