الحدود غير المنظور
بين الأدب، العلم، والخيال
لا شك أن كلمة سرد تشمل كل ما تحتوي عليه صفحات الكتب سواء كان محتوى علميا أو خياليا... والحدود بين المسرودات عادة ما تكون بينة واضحة عند التحدث عن الأدب الرومانسي أو الواقعي أو حتى الفانتازي. فالإغراق في منتهى الخيال، أو حتى الإغراق في وصف العلاقات الواقعية ينفي عنها شبه الاختلاط بالسرد العلمي أو التاريخي أو حتى العلوم الاجتماعية.
لكن تلك الحدود تشف وتتهاوى عند التصدي لأدب الخيال العلمي أو الأدب التاريخي.. والسؤال المتكرر ما الفرق بين رواية تاريخية وفصلًا في كتاب التاريخ؟ والفرق بين قصة الخيال العلمي وكتب الفلك أو الفيزياء.. ومتى يتحول الأمر إلى فانتازيا أو ضرب آخر من الأدب؟ الأمر جد بسيط مع قليل من التركيز..
فقط لك أن تتكئ على العلم أو التاريخ لصنع قصة من خيالك... وأن تلتزم بالأُطر العريضة وتترك لخيالك إفرام الإطار بالتفاصيل.
مثلا؛ لو أننا بصدد كتابة قصة تاريخية في منتصف خمسينات القرن العشرين، حيث العالم يتعافى من الحرب العالمية الثانية وقوى الحلفاء المنتصرون يحاولون مد سيطرتهم على الكوكب... بينما في مصر نجحت ثورة يوليو والضباط الأحرار يحكمون البلاد بالفعل بعد طرد آخر ملوكها، فلو أن بطل القصة يحيا في هذا الإطار التاريخي فهي قصة تاريخية.. ولك أن تتخيل كل تفاصيل حياة الأبطال وصراعاتهم في ذلك العصر و بأسلوب معيشة وألفاظ وتكنولوجيا الفترة. فماذا إذًا لو خرجت القصة في منتصف الخمسينات وقد انتصر هتلر أو فشلت الثورة في مصر؟ هنا نكون انتقلنا من القصة التاريخية لقصة فتازيا أو خيال علمي. فلو أنك لم تبرر ما يحدث بأي شكل فهي قصة فانتازيا من طراز (ماذا لو؟)، أما إذا بررت ما حدث بنظرية الأكوان الموازية.. مثلما تخيل الكاتب الرواية والمسلسل الشهير الرجل في القلعة العالية، أو تفسرها بالعودة في الزمن لتغيير التاريخ، إذًا لصارت قصة خيال علمي لا جدال عليه.
وهنا يكفي فقط الإشارة للنظرية العلمية والتنويه عنها دون الدخول في جميع تفاصيلها العلمية، لكي لا نفسد السرد الأدبي ونحوله إلى سرد علمي جافّ ممل.
مثال آخر؛ لو أننا تخيلنا كائنات جديدة ذات مواصفات مذهلة تعيش بيننا. لو أنني اكتفيت بذلك دون تبرير أو صنعت تبريرا ميتافيزيقيًا كالجن والغيلان والشياطين أو الملائكة.. أصبحت قصة هنا فتازيا مطلقة كما نقرأ في ألف ليلة وليلة وحكايات الجدّات.
أما لو افترضنا أن تلك الكائنات نتيجة لتجارب هندسة وراثية محكمة، أو طفرة جينية نتيحة تفجير نووي، او تلوث كيميائي، فهي قصة خيال علمي بلا شك، وقد تفترض انتقال بين الكواكب أو فجوة بين الأبعاد، أو... أو... إلخ.
وأنت لست مطالب هنا بشرح النظرية العلمية يكفي ان تكون النظرية نفسها سبب رئيسي ومحرك للحدث.
ولست مطالبا حتى التقيد بآخر ما وصل إليه العلم (فما دور الخيال هنا؟).
بل إن بإمكانك اختراع نظرية جديدة لكن بشرط ألا تتعارض مع الثوابت العلمية والمنطقية المتعارف عليها.
وأخيرًا، الكاتب عمومًا باحث جيد، فقليل من البحث حول موضوع عملك سيجعله أكثر رقيا وإقناعًا. المهم أن تنتج لنا قصة متكاملة مقنعة وممتعة وبلغة متمكّنة فصيحة وسلسة في آن واحد، تتكئ فيها على العلم أو التاريخ وتنشئ بينهما عالمًا خاصًّا من خيالك أنت وحدك.