الأدب الجنائي
الأدب البوليسي أو الأدب الجنائي هو قصة أو رواية قوامها اكتشاف رجل من رجال الشرطة أو التحرّي جريمة تبدو وكأنها "كاملة". وفي هذا النوع من القصة أو الرواية يتقدم المؤلف نحو "الحلّ" بطريقة مشوِّقة تثير فضول القارئ، وتحبس أنفاسه وتستثير مَلَكَة حلّ الألغاز عنده. ويُعتبر إدغار آلان بو مؤسس القصة البوليسية الحديثة وذلك بقصّته "جرائم شارع مورغ" (عام 1841)، ثم قصة (لغز ماري روجيه).
تطور الأدب البوليسي ودخلته شخصيات جديدة، وأنماط جديدة في كتابة الأدب البوليسي حيث انبثق من عبائته روايات الجاسوسية التي غذتها أحداث القرن العشرين، مثل الحربين العالميتين والحرب الباردة ومن أشهر الشخصيات المبتدعة في هذا الشأن شخصية جيمس بوند وشيرلوك هولمز.
كتابة أدب الجريمة أو الرواية البوليسية المقنعة تحتاج من الكاتب أن يضّمن نّصه بعض العناصر العامة التي لا تخلو منها رواية في هذا الصنف في الغالب. تمثل عناصر كتابة أدب الجريمة الدعائم الأساسية التي تقوم عليها القصة الغامضة أو الرواية البوليسية. وكما أن لكل لون من ألوان الرواية قواعده العامة التي تحافظ على تماسكه، فإن رواية الجريمة أكثر الأصناف التصاقا بقواعدها. كتابة الرواية البوليسية أو أدب الجريمة بصفة عامة يحتاج من المؤلف الانضباط الصارم ببعض التقييدات مثل الدوافع والحبكة المقنعة ومسرح الجريمة والأدلة ومفردات المشهد التي تتكامل لتصنع المناخ العام الذي يحقق الغموض والتشويق.
وقد يجد الكاتب أّنه من اللائق إضافة "الموضوع الأدبي" أو معنى تدور حوله الرواية خاصة أنها تدور في عالم الصراع بين الخير والشر.
كبداية، احرص عند كتابة الرواية البوليسية أو رواية الجريمة على الاهتمام بجودة صناعة هذه العناصر. إنها العناصر الأكثر شيوعا في جميع روايات الجريمة بتصنيفاتها المختلفة، وربما إتقان صناعتها هو ما يميز المؤلفين بعضهم من بعض.
المشهد الافتتاحي
في الروايات البوليسية أو أدب الجريمة اللقاء الأول بين المؤلف وقارئه. وبحسب قوة هذا اللقاء سيحدد القارئ مصير الرواية فإما يستكمل القراءة وإما يتجاهلها.
كيف تجعل المشهد الافتتاحي جاذبا؟
هناك ثالث خطوات تجعل المشهد الافتتاحي في رواية الجريمة أكثر جذبا للقارئ وهي:
- دمج القارئ في الحدث: كلما أسرعت بإخبار القارئ ماذا حدث؟ وأين؟ وما المتوقع، زاد ذلك من رغبته في مواصلة القراءة.
- التعريف بالشخصيات: أسرع في تعريف القارئ بالشخصيات التي سيتعامل معها في الرواية، ولماذا حدث لهم ما حدث؟
- إثارة الغموض والتشويق: إذا نجحت في إثارة عقل القارئ لطرح أسئلة حول قصتك فقد أمسكت بتألبيبه، ولن يفلت الرواية من يده.
الجريمة
كتابة أدب الجريمة يعني أن المؤلف يستهدف شريحة محددة من القراء، وهي شريحة تبحث عن الإثارة والتشويق والغموض. ومن هنا فإن تأخير عرض الجريمة عن الصفحات الأولى للرواية مغامرة غير محسوبة العواقب. لذا فإن من أهم نصائح كتابة روايات الجريمة أن تضع الجريمة في أول صفحات الرواية إن لم يكن في الصفحة الأولى.
احرص أن تبدأ روايتك بموقف متأزم ليكون بمثابة "الصنَّارة" التي تصطاد القارئ، يمكن أن يكون هذا المشهد غامضًا أو مباشرًا لكنه يجب أن يكون مشوقًا بدرجة كافية.
البدء بالجريمة في الصفحة الأولى للرواية سيتكفل بإثارة عقل القارئ لطرح الأسئلة، ويخلق داخله رغبة في كشف الخفي أو التعرف على الدوافع أو اكتشاف طريقة حل اللغز أو الجريمة، وجميع هذه الأمور في صالح الرواية، إذ أنها تبقي الكتاب في يد القارئ طوال الوقت.
مسرح الجريمة
إعداد مسرح الجريمة بتفاصيل ثرية ليس ضروريا فقط من أجل زرع الأدلة والأدلة المضللة وحسب ولكنه يساعد المؤلف على تعقيد الحبكة وخلق ظلال للمشتبه بهم وإظهار صفات الشخصية الرئيسية الذي سيتولى حل الجريمة.
المجرم
يسعى المجرم أو خصم البطل في روايات الجريمة إلى إعاقة المحقق أو الشخصية الرئيسية عن حل اللغز. المجرم بطل في قصته الشخصية، وهذا ما يجب أن يفهمه كاتب الرواية، فلا يجب إظهاره كأبله أو قليل الحيلة أو غبي.
أيضا، ليس بالضرورة أن يكون كل مجرم شرير!
بعض المجرمين قد يرتكب جريمة دون تخطيط أو تعمّد والبعض قد يرتكبها تحت ضغوط شديدة، والبعض يرتكبها مخدوعًا، فعليك ككاتب أن تخلق "مجرمك" الفريد الذي يجذب انتباه القارئ ويتفاعل معه.
من أهم ما يمكن الإشارة إليه عند كتابة شخصية المجرم في الرواية البوليسية أو أدب الجريمة أن يحرص المؤلف على منحه دوافع معقولة ومقبولة.
الضحية
للمؤلف الخيار في أن يكتب عن ضحية محبوبة للقارئ أو مكروهة، ففي النهاية الهدف الرئيسي من الرواية تحقيق العدالة. ومع ذلك فإن إضافة أبعادًا إنسانية لشخصية الضحية يضمن لك تعاطف القارئ مع الشخصية الرئيسية، ويمنحه دوافع أقوى لمتابعة الرواية حتى الصفحة الأخيرة ليتأكد بنفسه من تحقق العدالة.
فإذا كانت قصتك مثال عن جريمة اختطاف فيمكنك أن تتخيل كيف ستكون ردة فعل القارئ إذا كانت الضحية طفلة صغيرة بكماء، أو شاب رياضي مكتمل القوة؟!
المحقق
يلعب المحقق أو الشخصية التي ستقوم بحلّ لغز الجريمة في كتابة الروايات البوليسية دور النجم في الفيلم السينمائي. ومن دون شخصية المحقق تصبح الرواية عملا آخر ولكنه ليس رواية بوليسية أو أدب جريمة.
اصنع شخصية المحقق بأبعاد إنسانية ومهنية، امنحه قصة شخصية مشوقة في ذاتها، اجعل له نقاط قوة واجعل له نقاط ضعف.
لا بأس من أن يظهر المحقق مشوشًا أحيانًا بسبب ظروفه الشخصية الخاصة جدًا، كما أّنه من المقبول أن يُخدع المحقق من المجرم أو من شخصيات أخرى في الرواية لكن لا تصنع محققًا مهزوزًا طوال الوقت أو ذكيًا طوال الوقت أو قادرًا طوال الوقت فهذا يتنافى مع الواقع والمنطق.
المشتبه بهم
شخصيات المشتبه بهم في رواية الجريمة من أفضل المواد التي تساعد المؤلف على كتابة رواية عظيمة. إذ يمكن للكاتب أن يخلق شخصيات شديدة الثراء ويضعها في موقف الاشتباه، مما يمكنه من حياكة حبكات جانبية قوية وملفتة.
لا تصنع شخصيات المشتبه بهم بشكل تقليدي، لا تجعلهم شخصيات مسطحة، لا تعتبرهم حشوًا زائدًا في روايتك.
التقارير الجنائية
يجب أن يكون كاتب الرواية البوليسية أو أدب الجريمة ملمّا بآخر تطورات العلوم الجنائية، وطرق الكشف عن الجرائم، والأدوات المستعملة في معامل الشرطة، فقارئ الروايات من هذا الصنف مطلع جدًا في هذه الأمور.
الصراع
يعد الصراع الخط الرئيسي الذي يحفظ للرواية تقدمها واستمرارها، فالصراع يبدأ من الكلمة الأولى في القصة ولا ينتهي إلا مع الكلمة الأخيرة. كي تبقي الصراع مشتعلًا طوال الوقت تجنب الحوارات غير ذات الصلة، والأحداث المقحمة، والشخصيات الباهتة.
تأكد أن هناك صراعًا جادًا وعلى درجة من الخطورة ستضطر شخصيات روايتك إلى مجابهته، وأن هذا الصراع قد يتسبب في أضرار معنوية وبدنية، وأن هذا الصراع سوف يخلق صراعًا داخليًا بالتوازي.
الأدلة المضللة
الأدلة المضللة أو (الرنجة الحمراء) مصطلح مشهور في عالم كتابة روايات الجريمة ويشير إلى مغالطات أو مفاتيح مزيفة لحلّ الجريمة تقدم بغرض خداع المحقق والقارئ أحيانًا وصرف وجوههم عن المجرم الحقيقي.
تحقيق العدالة
ختام الرواية بمشهد تحقيق العدالة (القبض على المجرم) الصورة المثالية لنهاية رواية الجريمة، وإن كان ذلك ليس قاعدة صارمة. فقد يرى كاتب الرواية أن يترك المجرم طليقًا لبناء جزء ثانٍ من روايته إذا كانت تقوم على شخصية المجرم.
في العموم تمثل الخاتمة فرصة قوية لإظهار الجانب الأخلاقي من وراء أدب الجريمة. عناصر كتابة الرواية البوليسية أو أدب الجريمة مجموعة من الأدوات تحتمل إضافات المزيد مثل المفاتيح وصديق البطل وقدرات التّحري والشهود والاعترافات وأمور أخرى تمنح لرواية الجريمة الشكل اللائق بها عند القارئ.