يجب على المؤلف أن يموت!
ميلاد القارئ رهينًا بموت المؤلف
هناك نظرية جميلة في عالم الأدب تسمى بنظرية "موت المؤلف"، من المؤكد أن الكثير سمع عنها، باختصار وببساطة شديدة نظرية موت المؤلف تعني أنه بعد أن تنشر عملك على القراء، ويكون متاحا لنا جميعا الإطلاع عليه، لم يعد في مقدورك أن تشرح لنا فكرة عملك، إذن ما هي وظيفة عملك الذي نشرته إذا كنت تنوي شرح فكرته؟!
لا يصح بأي حال من الأحوال أن تقول للقارئ: عفوًا أنت لم تفهم القصد من وراء العمل لأن قصدي كان كذا، إن لم أفهم قصد سيادتك من العمل إذن أنت من فشلت في أن تبلغني الرسالة، وليس العيب في كقارئ!
أيضًا من الأخطاء الفادحة التي يقع فيها الكثير من الكتّاب وليس قلة للأسف الشديد أنهم ينبرون للدفاع عن أعمالهم في مواجهة النقد الموجه إليهم، يا إلهي، إنها مصيبة، لو تدركون كم هي مصيبة؟ من أين أتيتمونا بها! أي محاولات مستميتة منك للدفاع عن عملك في مقابل النقد الموجه لعملك هو بمثابة رسالة انتحار تخطها بقلمك أمام قرائك، لماذا؟ لأن القراء ببساطة سيتذكرون فقط كل ما وجه إليك من نقد وسيعتبرونه عيوب مسلم بها في عملك الأدبي، ولن يتذكروا حرفًا مما قلته دفاعًا عن عملك، محاولاتك البائسة للدفاع عن عملك قامت بدور عظيم في تثبيت كل التهم الموجهة إليك، وقتها أستطيع أن أهنئك بفشلك الذريع أمام عيون القراء التي لا ترحم!
لا تقل للقارئ أنك فهمت خطأ، لو أن القارى فهم رسالتك بطريقة خاطئة فأنت الذي تتحمل هذا الخطأ، وليس القارئ، ها أنا أكررها لك للمرة الثانية، ولا تكابر في هذا الأمر، صدقني أنت تخسر كثيرًا، ولا تكسب شيئًا عندما تنبري للدفاع عن عملك.
عملك هو الذي يدافع عن قصديتك وفكرتك ورسالتك، وطالما قررت أن تنشر هذا العمل تأكد أنه أصبح كيانًا مستقلًا عنك له وجوده وحيزه، وليس لك الحق في أن توضح أي شاردة بشأنه.
كذلك من المصائب الكبرى التي يقع فيها أيضًا كثير من الكتّاب أن يكتبوا مقدمة لعملهم، لكم هي مصيبة عظيمة لو تدركون، لقد فعلت مثل هذه المصيبة فيما مضى، لقد كتبت مقدمة طويلة قبل أن يشرع القارئ في قراءة العمل، ومِنْ ثَمَّ تداركت هذا الخطأ الفادح وحذفت المقدمة بالكامل وهذه هي المرة الأولى التي أفعل فيها ذلك، لن تحسب كمرة أولى، لأنّي لم أنشر العمل بعد، إذ أنا كتبت مقدمة أشرح فيه وجهة نظر للعمل، فهذا لا يعنى سوى شيئين، أولًا: أنني لا أثق في عملي بالشكل الكافي الذي يكون فيه قادرًا على أن يتولى مسألة الدفاع عن نفسه. وثانيًا: أنني لا أثق في ذكاء القارئ بالشكل الكافي مما دفعني لأن أكتب له هذه المقدمة، وترجمة هذه المقدمة بكل بساطة أمام القارئ هي: لأنك غبي كتبت لك هذه المقدمة!
لذلك أنصحك بأمانة إياك أن تتورط فى كتابة مقدمة لعملك، هذا يدمر النص ولا يضعفه فقط، إذ أنت كتبت مقدمة لعملك تشرح لي فيها وجهة نظرك، إذن لا داعي من قراءة عملك؛ لأنك توليت هذه المهمة بإيجاز و اختصار، وأنت بذلك قدمت أسوأ خدمة لعملك، لقد حرقته بالكامل أمام عينيّ القارئ، لا تكن مثل الصديق السخيف الذي يستمتع بإفساد مشاهدتك لفيلم سبق أن شاهده، وكل خمس دقائق يخبرك عما سيحدث لاحقًا، ماذا سيكون شعورك وقتها؟ أقل شيء تريد أن تقتله حتى يتوقف عن إفساد متعتك بمشاهدة الفيلم ومتعة أن تكون جاهل بالقادم من الأحداث، وتذكر دائمًا أن للقارئ وجهة نظر مختلفة عنك، لربما هو خرج بقراءة مختلفة مغايرة، وأفضل مما كنت تقصده، لماذا تضيع على نفسك هذه الفرصة الذهبية؟ أن يأوّل أحدهم نصك الأدبي بطريقة أفضل من التي كنت تقصدها؟ فضلًا على أنك قمت بفرض حصار على حرية تفكير القارئ فيما يمكن أن يخرج به من النص وحجمته في حدود ما أردت أنت، أودعته السجن قبل أن يقرأ عملك، فكيف تطلب منه الاستمتاع به؟!
إذا كتبت عملًا ما، ونشرته فهو أصبح مثل ابنك الراشد المسؤول عن كل أفعاله وتصرفاته، وقادر على أن يعبر في هذه الحياة بنفسه، ولتتركه يأخذ فرصته كاملة، كما أخذتها أنت من قبل وأنت تكتب العمل، توقف عن الوصاية الأبوية في الأدب، كما أن ابنك كبر ونضج ولم يعد طفلًا صغيرًا، كذلك عملك الأدبي خرج للنور وأصبح مسؤولًا عن نفسه، مرة أخرى أرفع يد الوصاية عنه.