مواجهة الأقنعة

 

«أقنعة! أقنعة! فلنعمِ إيروس، 

فمن ذا الذي يحتمل وجهه المتألق؟» – ريلكه.

في مسيرة يومٍ عادي، يُستدعى الفرد من المجتمع ليلعب أدوارًا عديدة، وفي مسعاه لتأدية هذه الأدوار المختلفة، يرتدي أصنافًا شتى من الأقنعة، التي تكشف حتى وهي تخفي. فاستعاريًا، يتحول الوجه إلى قناع. نادرًا ما نعرض ذواتنا للآخرين بتمامها، بل نقدمها غالبًا عبر وسيطٍ هو القناع، الذي يخفي جزءًا أو أجزاء من شخصيتنا. كما أننا، تمامًا كما نُظهر ما نُحب أن يُرى أو نبني واجهة لنحجب ما نود أن يبقى خفيًا عن الآخرين، نستخدم «أقنعة داخلية» لنستر أجزاءً من ذواتنا لا نرغب في الاعتراف بها. وفي الوقت نفسه، فإن اختيار قناع معين يُعبر عن جزء من الشخص، وقد يكشف جانبًا من شخصيته كان سيظل مستترًا لولا ارتداء القناع.

الأقنعة تثير السؤال عن علاقتها بالذات، لا سيما في سياق سعي الإنسان لأن «يصبح» – كما قال نيتشه – «ما عليه». وبين الأدباء الذين تناولوا مسألة الذات، اهتم العديد بطبيعة القناع ووظيفته. ولتحقيق فهمٍ أوسع غير محدود لهذه المسألة، أرغب في استعراض معالجة الذات وأقنعتها في عملين: أحدهما لكاتب غربي، وهو ريلكه في «مذكرات مالته لوريدز بريغه»، والآخر لكاتب ياباني، يوكيو ميشيما في «اعترافات قناع». وسيترافق ذلك مع تقديم ملامح لأفكار نيتشه الفلسفية حول القناع، مع استعراض لبعض الأفكار المستوحاة من مفهوم «الشخصية» عند كارل يونغ، وهو السياق الضروري لهذه المناقشة، إذ عرَّفت لُو سالومي ريلكه على أفكار نيتشه في بدايات مسيرته الأدبية، وكان نيتشه أيضًا تأثيرًا أقوى على كل من يونغ وميشيما. ولكن قبل أن نلتفت إلى هؤلاء المفكرين، سيكون من المفيد أن نؤسس لفضاء ثقافي ولغوي وتاريخي أوسع.

تتميز اليابان بثقافة حيث يُعظم ارتداء الأقنعة لإخفاء المشاعر الحقيقية والاندفاعات النفسية، حرصًا على تناغم العلاقات الإنسانية، حتى صارت هذه الثقافة أعظم شأنًا وأكثر إلزامًا من أي مكان آخر. ومع ذلك، فإن فن التستر خلف الأقنعة ليس غريبًا، إذ تشير اللغات اليونانية واللاتينية إلى ذلك، حيث إن الكلمات الدالة على «القناع» في كليهما تحولت لتدل على «الشخص». وهذا لافت للنظر في بداية التقليد الغربي، إذ كان يُرى «الشخص» بالمعنى القانوني، أي الفاعل المسؤول عن أفعاله المستحق للمكافأة أو العقاب، في صورة قناع، لا في الرأس أو الجسد الذي يخفيه.

إن القناع في جوهره سطح، حاجز بين الخارج والداخل، فهو وسيلة للتجلي والتنكر، وفي نفس اللحظة، كما يكشف فهو يخفي. فالقناع المادي يحمي أكثر أجزاء الجسد هشاشة، كما هو الحال مع قناع الموت أو القناع الجراحي، بينما نظيره الرمزي يخفي ما يظهر من داخلنا من خلال مظاهر الوجه التي تكشف الحياة الباطنة. فإن احمرار الوجه، أو ارتعاش العضلات، أو الشحوب المفاجئ، هي إشارات قد تفشي ما نخفيه من صدمة، ذنب، أو خجل. لذا، يفضل الكثيرون القناع، الذي يحجب العيون، نوافذ الروح، والتي قد تُرى دون أن تكشف نفسها بسهولة. لكن هذا الحجب ليس كاملاً، إذ لابد أن تكون هناك فجوات في القناع، فبدون فتحات للعينين والفم، لن يكون بالإمكان الرؤية أو الكلام من خلاله. وهكذا، يتيح القناع الحقيقي تعبيرًا انتقائيًا من خلال حركة الكلام وإيماءات الرأس، ليعبر مرتديه عن مشاعره ورغباته بقدر ما يشاء.

إن أصول الكلمات اليابانية والأوروبية الدالة على القناع تعود إلى الوجه، وهو مشهد من المعاني والدلالات. فأصل كلمة «قناع» عندنا غامض، حيث تشير القواميس إلى أن اشتقاقها محل نزاع. إنها كلمة حديثة نسبيًا، لم تظهر في الفرنسية والإنجليزية حتى القرن السادس عشر. ويُعتقد أنها مشتقة من الكلمة اللاتينية «massa» التي تعني «معجون»، ومنها اشتُقت كلمة «مسكارا»، أو من «masca» التي تعني «شيطان» أو «ساحر». أما الكلمة اليونانية المكافئة «prosopon» فهي تعني «واجهة» أو «وجه»، ومنها اشتُقت معاني القناع والشخصية والشخص. إن الصورة بصرية، «pros» تعني «أمام» و«opon» تعني «العيون»، كأنه شيء يُوضع أمام العينين أو حولهما. أما في اللاتينية، فتتحول الصورة إلى السمعية، إذ إن «persona» التي تعني «قناع» أو «شخصية» أو «شخص»، تعني حرفيًا «من خلال الصوت».

الأقنعة التي كان يُشار إليها بكلمتي «prosopon» و«persona» كانت تلك التي يرتديها الممثلون في المسرح اليوناني والروماني، حيث كانت لها وظيفة تحويلية وكشفية. فقد كانت تُستخدم لتعريف الشخصية، وغالبًا ما كانت الشخصية الإلهية، ولرفع الممثل إلى مستوى الكوني عن طريق إخفاء صفاته البشرية الخاصة وكل نقائصه. ولأن القناع كان أكبر من الوجه، فقد كان بمثابة لوح صوتي، يسمح للممثل بأن يُسْمِع صوته إلى أبعد مكان في المدرج المفتوح، بينما يحجب تعابير وجهه التي قد تشتت انتباه الجمهور عن بلاغة الكلام.

الكلمة اليابانية التي تعني «قناع»، «kamen»، تتألف من حرفين، الأول يعني «مؤقت» أو «انتقالي»، والثاني يعني «سطح» أو «وجه». فهي تدل على الواجهة المؤقتة التي يقدمها الإنسان للعالم، ذلك الوجه الذي يرتديه ليواجه الآخرين. وكما هو الحال مع الكلمة اليونانية «prosopon»، فإن إدخال حرف «العين» يضيف البعد البصري ويُنتج كلمة «menmoku»، التي تعني «وجه» بالمعنى المتعلق بالكرامة والشرف. وفقدان الوجه بالنسبة لليابانيين يُعبر عنه بعبارة «menmoku o usinau»، أي فقدان القناع الذي يواجه الآخرين ويحمي الكرامة. أما قراءة «men» البديلة، فهي «omote»، وتعني «الخارج» أو «الوجه» مرة أخرى، في سياق الشرف والسمعة، وهذه القراءة هي الشائعة عند الحديث عن الأقنعة المستخدمة في مسرح «Noh». ووظائف قناع «Noh» مشابهة لوظائف نظيره اليوناني، إلا أنه أصغر حجمًا، ويهدف إلى تحديد الشخصية وإلغاء تعابير الوجه لشد انتباه المشاهدين إلى الحركات الدقيقة لجسد الممثل، أكثر من الكلام الصادر من وراء القناع.

نيتشه يتناول لأول مرة موضوع الأقنعة في كتابه «مولد التراجيديا»، حيث يناقش في القسم الثامن طبيعة المسرح اليوناني القديم. يرى أن وظيفة الكورس الديثيرامبي في التراجيديا الأولى كانت توليد حالة من النشوة الديونيسية لدى الجمهور، لدرجة أن البطل التراجيدي حين يظهر على المسرح فإن قناعه يُخفي إنسانيته البسيطة، ليظهر بمظهر الإله ديونيسيوس نفسه. والقناع أيضًا يساعد الممثل في فقدان إحساسه بالفردية، مما يسمح لصورة الدور الذي يؤديه بأن تتجلى أمام عينيه وتلعب نفسها من خلاله. (يمكننا أن نرى شيئًا مشابهًا في مسرح «Noh»، حيث يمحو القناع وعي الممثل بذاته، وتعمل الموسيقى الديونيسية القوية من الناي والطبول على المتفرج بحيث يظهر الممثل المقنع وكأنه كيان فوق بشري).

في هذا السياق، يعمل القناع على الإخفاء من أجل الكشف، لكل من الممثل والجمهور. ومع أن معالجة نيتشه لهذا الموضوع بدأت تأخذ منحىً مجازيًا، إلا أن دلالة القناع أصبحت غامضة. ففي «تأملات في غير أوانها»، يرى القناع بصورة سلبية، باعتباره مجرد واجهة لإخفاء الشخصية الضعيفة التي تميز الإنسان الحديث. إذ فقدنا الحدس العفوي للطفل، وابتعدنا عن حياتنا الغريزية أو دمرناها. يقول نيتشه: «لم يعد أحد يخاطر بشخصه، بل يتستر خلف قناع المثقف، أو العالم، أو الشاعر، أو السياسي». ولذا علينا أن «ننظر بعين ثاقبة، ونهتف 'قف! من أنت خلف هذا القناع؟' ثم نمزق الأقنعة».

وفي تأمله التالي، «شوبنهاور مربيًا»، يطرح نيتشه عرضًا وجوديًا للكيفية التي يدفعنا فيها الكسل والخوف إلى تغطية فرديتنا بالحجب التي تتوافق مع المظاهر التقليدية. ويمضي نيتشه في تفسير الرجل الذي هو «كله خارجي، بلا جوهر، كيس ممزق ومزخرف من الثياب». ورغم أن هذه التغطية قد تكون واجبًا اجتماعيًا، فإنها تعوق معرفة الذات؛ فالأقنعة تخفي الحقيقة الداخلية. يتساءل نيتشه: «لكن كيف يمكن لنا أن نجد ذواتنا مرة أخرى؟ وكيف للإنسان أن يعرف نفسه؟ إنه كائن مظلم ومحجوب؛ وإذا كان للأرنب سبعة جلود، فإن الإنسان قادر على أن يقشر عن نفسه سبعين مرة سبعًا، ومع ذلك لن يستطيع أن يقول 'هذه هي ذاتي الحقيقية، هذا لم يعد قشرًا خارجيًا'».

ويواصل نيتشه في «العلم المرح» دراسة العلاقة بين الأقنعة والملابس، مشيرًا إلى أن الأوروبيين لا يمكنهم الاستغناء عن «المسرحية التنكرية التي نسميها الملابس». ورغم أن الملابس تخفي، فإنها تتشارك مع الأقنعة في وظيفتها التعبيرية، إذ تُستخدم لتقديم جوانب من الذات ولإسقاط الصورة الملائمة. (وهنا التأثير متبادل: الكثير من الانطباع الذي تتركه البدلة الأنيقة على المشاهد ينبع من تأثيرها على مرتديها، من الطريقة التي تخرجه وتجعله يدخل في دوره). يلاحظ نيتشه أن ما نريد تغطيته ليس «الوحش البري» في داخلنا، بل «المشهد المخزي للحيوان الأليف» الذي حولتنا الأخلاق إليه. لكن نيتشه، ومع تعمقه في التفكير في الحياة من خلال استعارة المسرح والتمثيل، يصبح أكثر تسامحًا تجاه لعب الأدوار. إذ يقول: «فقط الفنانون، وخاصة فناني المسرح، هم من منحوا الناس عيونًا وآذانًا ليروا ويسمعوا بما يسر ما هم عليه». ويضيف أن الممثلين قد علمونا «فن تمثيل أنفسنا ومشاهدتها». وهكذا، يصبح التمثيل، بمعناه غير السلبي، موصى به: «الخداع بضمير مرتاح؛ اللذة في التظاهر التي تنفجر كقوة تزيح 'الشخصية' المزعومة».

وبينما تتأرجح صورة القناع في فلسفة نيتشه بين الغموض والتناقض، نجد أن تعليقاته على الممثلين ولعب الأدوار كذلك تحمل في طياتها التباسًا. فمن ناحية، يجبر المجتمع الأوروبي الأفراد على لعب دور معين، تحدده إلى حد كبير مهنتهم. فينحصر التطور الشخصي وفقًا لهذا الدور الواحد، متناسين الأدوار الأخرى التي يمكنهم تأديتها. ولكن من ناحية أخرى، يشير نيتشه إلى الخطر في الجانب الآخر، حين يصبح الشخص قادرًا على لعب أي دور على الإطلاق، ما يؤدي في النهاية إلى نسيانه تمامًا أنه مجرد ممثل يؤدي أدوارًا. تقدير فرويد الكبير لنيتشه ينبع من استعداد الأخير لمواجهة الجانب المظلم من الروح، سواء في نفسه أو في الآخرين. ومع تعمق الوعي بالجوانب المنفرة من طبيعتنا، ينصح نيتشه باستخدام حكيم للأقنعة لإخفاء بعض «التفاصيل الدنيئة» عند الضرورة. وهكذا، يكتب نيتشه عن «اللذة في الأقنعة والضمير المرتاح في استخدام أي نوع من الأقنعة» كشيء متأصل في بدايات الثقافة الغربية، ويصفها بأنها «الاستحمام والترفيه للروح القديمة».

يتحدث نيتشه هنا عن دافع إنساني جوهري لتزوير العالم وتبسيطه بغية السيطرة عليه. هذا ينبع من عملية خيالية متجذرة في أعماقنا وتعمل بشكل مستمر، لكنها في الغالب مخفية، وهي عملية تؤثر على كل تجاربنا. عدم تحمل المسؤولية عن المشاركة في تشكيل العالم، أو نسيان أن أسلافنا ونحن أنفسنا كنا نصنع معظم هذا العالم كما نراه، وقبول الحقائق على أنها معطاة بلا نقاش، ولعب الأدوار بجدية مطلقة دون مزاح، يعد تصرفًا جبانًا وغير مسؤول وساذجًا بل وكوميديًا. نيتشه لا يعترض على الخيال بحد ذاته، فهو جزء من طبيعتنا، ولكن اعتراضه يكمن في تظاهرنا بأننا لم نكن جزءًا من هذا الخيال، فنلعب دور المشاهد البريء الذي ينظر إلى العالم بعينٍ خالية من التحيز.

من الواضح أن نيتشه يرى أن «التظاهر المنفجر كقوة» و«الدافع المستمر والمتدفق لقوة إبداعية، تشكلية ومتغيرة» هما جزء أساسي من دافع الإنسان. هذا الدافع ليس شيئًا يجب تجاهله أو الأسف عليه، بل مسؤوليتنا أن نكون على وعي بكيفية عمله من خلالنا، وامتيازنا هو أن نتركه يلعب دوره. نيتشه يكتب بحماس عن إمكانية المشاركة في أعمال الخيال القديم بوعي تأملي، وأن نعيش هذه الأساطير حتى النهاية، وأن نحلم الأحلام إلى أبعد مدى. بهذه الطريقة، يمكننا أن نصبح «شعراء حياتنا» وفناني وجودنا. وأخيرًا، القناع وراءنا، كما يطرح نيتشه في الأسئلة الأخيرة من كتابه «ما وراء الخير والشر»، حيث يتساءل الكاتب: «ألا نكتب الكتب لنخفي ما نحمله في قلوبنا؟» و«أليس خلف كل كهف للفيلسوف هناك كهف أعمق... هوة وراء كل أساس، وتحت كل 'تأسيس'؟» وربما علينا أن نسأل: «خلف كل قناع، هل يوجد قناع آخر؟» قد لا يكون هناك وجه ثابت كقاعدة للتزيين، أو ذات جوهرية. أو ربما لا يمكن الوثوق بنيتشه في هذا الأمر، إذ ينهي تأملاته بتحذير غامض: «كل فلسفة تخفي أيضًا فلسفة أخرى؛ وكل رأي هو أيضًا مخبأ؛ وكل كلمة هي أيضًا قناع».

تُعَدُّ مسألة تأدية الأدوار، وطرائق التعامل النفسي الأمثل معها، موضوعًا يستمر يونغ في نقاشه بخصوص ظاهرة «البُرُوز» أو «الشخصية». في نظر يونغ، فإن البُرُوز هو قناع يتوسط بين النفس والعالم الخارجي، «تسوية معقدة بين الفرد والمجتمع حول ما ينبغي أن يبدو عليه الإنسان». وفي نهاية المطاف، هو «جزء عشوائي من النفس الجماعية... قناع... يتظاهر بالفردية، إذ يتحدث من خلاله النفس الجماعية». ومع ذلك، فإن وجود غلاف واقٍ للنفس يتيح التعبير عن داخليتنا للآخرين هو ضرورة: نحتاج إلى غشاء يفصل بين الداخل والخارج لنقي أنفسنا من الغمر أو التفتت. بدون جبهة نواجه بها العالم، نكون عرضة للخطر بشكل يائس، وسَتَعبِرُ دافعَاتُنا بشكل غير مقبول، مما يؤدي إلى العدوان والرفض والتغريب. نشعر بالخطر من الداخل، ونحاول استخدام القناع كدفاع ضد القوى الداخلية: لكن التوحد مع الدور، على الرغم من أنه مريح وسهل، فهو غير كافٍ في النهاية. نفقد المرونة والدقة؛ يصبح أداؤنا متصلبًا كما يتصلب القناع إلى قشرة، حيث ننفصل عن مصدر الدراما الداخلية.

لكن إذا تشققت القشرة، وإذا أسقطنا القناع تمامًا، يكون هناك خطر: «القوى التي تنفجر من النفس الجماعية تكون محيرة ومبهرجة. نتيجة ذوبان الشخصية هي إطلاق الخيال... من النفس الجماعية... مما يثير إلى الوعي مواد ودوافع لم نكن نشتبه بها من قبل. جميع كنوز التفكير والشعور الأسطوري تُفتح. ليس من السهل دائمًا أن تحافظ على نفسك ضد مثل هذا الانطباع الغامر». إذن، تعمل الأقنعة كنوع من «الأوعية»، كشيء يحتوي على تدفق الخيال الأركي. بدون شيء لاحتواء التدفق، قد تؤدي قوى اللاوعي إلى جنون كامل، أو على الأقل تُسبب تحولًا في الشخصية. إذا كانت النتائج أقل كارثية، فهناك استجابتان محتملتان: يمكن للمرء أن يحاول «الاستعادة التراجعية للشخصية» بالعودة لالتقاط القطع في جهد لإعادة تجميع الشخصية الأصلية، أو يمكن أن ينطلق في ما يسميه يونغ «طريق التفرد» بحثًا عن الذات الحقيقية.

على هذا الطريق، هناك عقبة: «الأحادية في البُرُوز هي عقبة أمام تطور الفرد. لذا فإن حلّ البُرُوز هو شرط لا بد منه للتفرد». إذن، نواجه مسألة كيفية جعل البُرُوز شيئًا أكثر من «وهم، واقع ثنائي الأبعاد»، وكيفية التصرف بحيث يصبح البُرُوز أقل «عشوائية». وصف يونغ لمثل هذا الحل المقصود يكون غامضًا بعض الشيء: «في التفرد الخاص للبُرُوز، يظهر الفرد مقاومته للنفس الجماعية... [ويشمل ذلك] اختيار العناصر الخاصة بالنفس الجماعية التي تشكل البُرُوز». عادةً ما تكون هذه الاختيارات مسؤولية الأنا - رغم أن الخيار الأمثل سيكون موجهًا بواسطة المركز الأعمق للنفس الذي يسميه يونغ «الذات». ومع ذلك، هناك جانب آخر ليونغ، تأثر بالمعتقدات الوثنية المتعددة الآلهة (وبنيتشه)، حيث تكون استجابته مختلفة. قبيل تعريف «البُرُوز» في «أنواع النفس»، يتحدث يونغ عن النفس كـ«مجموعة وظيفية» أو «تعددية من الشخصيات»، ويقترح أن «حتى في الأفراد العاديين، تقسيم الشخصية ليس مستحيلاً على الإطلاق»، بحيث يكون «مُبررًا في معالجة تفكيك الشخصية كمشكلة في علم النفس الطبيعي». من هذه الزاوية، يمكن أن يكون اختيار مكونات الشخصية هو العمل الديناميكي لعدد من اللاعبين. ستكون المثالية أن تلعب هذه التعددية مع الأقنعة ومن خلالها، تتبنى وتزيلها استجابة للوضع الحالي، مما يؤدي إلى تفاعل مستمر بين الذات والذات الأخرى.

إن النصوص التي خطّها كل من ريلكه وميشيما تتشابه في الكثير من النواحي، ومن المفيد أن نتأملها معًا. «مذكرات مالته لوريدز بريغه» كان أول عمل نثري هام لريلكه، وقد أكمله وهو في الخامسة والثلاثين من عمره، أما ميشيما فكان أصغر بعشر سنوات حين كتب «اعترافات قناع»، أول رواية طويلة له. كان ميشيما قارئًا شغوفًا لريلكه — ولا شك أنه قرأ «مالته» خلال سنته السادسة عشرة. كلا النصين يُعدّان تحفًا شبه سيرة ذاتية، ينتميان إلى ذلك النوع الأدبي الذي يتوسط بين الرواية الاعترافية والقصيدة النثرية. كلاهما يسرد بحثًا عن الذات في علاقتها بالحياة والموت، ويقترح استعادة الطفولة كطريقة لاكتساب منظور حول الأقنعة المختلفة التي تشكل الشخصية. تتغذى هذه السرديات من تيار قوي من الخيال — غالبًا ما يكون وهميًا وغريبًا ومليئًا بالقلق في حالة مالته، وحسيًا بجنون ووحشيًا في حالة بطل ميشيما — ويبدو أن البطلين في كلا العملين عرضة لتأثيرات من أعماق النفس، تلك الطبقة اللاشعورية الجماعية التي أطلق عليها يونغ «اللاوعي الجمعي».

بالإضافة إلى ذلك، تعالج «مذكرات» ريلكه و«اعترافات» ميشيما مشكلة الذات على ثلاثة أبعاد: الموت، الطفولة، والأقنعة. تناول الكاتبين لعلاقة الذات بالموت، والمرض الجسدي المرتبط به، يتوازى بشكل مدهش ويقدم مقارنة مثيرة بحد ذاتها. كلا الروايتين تركّزان بتأمل عميق على استرجاع الطفولة والتأمل في ذكريات الماضي المبكرة. يتشارك الكاتبان الرأي القائل (وهو الرأي الذي كان يحمله أيضًا نيتشه ويونغ) أن الإنسان لا يمكنه أن يصير نفسه إلا من خلال استعادة طفولته أو إنقاذها، على أساس أن التجارب المبكرة تستمر في تشكيل وجودنا في الحاضر. يوحي هذا بأننا لا نولد مرتدين الأقنعة، بل أن الأقنعة تُعطى لنا أو تتشكل لاحقًا فقط. تأتي القدرة على ارتداء الأقنعة مع تطور لغة التعبير الوجهي واكتساب اللغة المحكية.

على الرغم من أن ريلكه حذّر من اعتبار «مذكرات مالته» عملًا ذو سيرة ذاتية، فإن شخصية مالته هي في جزء كبير منها قناع لِمؤلفه (وإن لم تكن تعبيرًا أساسًا عن وعيه الشخصي). في رسالة مؤرخة في ١١ أبريل ١٩١٠، العام الذي أكمل فيه الكتاب، كتب ريلكه: «لقد تطورت شخصية مالته لوريدس إلى شخصية اكتسبت وجودًا وشخصية مستقلة عني، وازدادت اهتمامي بها كلما تمايزت عن نفسي». يذكّرنا هذا بتعريف نيتشه في «مولد التراجيديا»: «الشاعر يكون شاعرًا فقط حينما يرى نفسه محاطًا بشخصيات تعيش وتتحرك أمامه... الشخصية ليست مزيجًا من سمات خاصة يجمعها، بل شخص حي يبرز أمام عينيه... ويواصل العيش والتصرف باستمرار...». في مصطلحات يونغ، يمكن القول إن مالته هو أحد «المعقدات المتجسدة» التي توجد بشكل مستقل إلى حد كبير تحت عتبة وعي المؤلف.

العنصر السيري في «اعترافات قناع» لميشيما يكون واضحًا إذا قرأناه بالتوازي مع «الشمس والفلاذ»، وهو نص أكثر وضوحًا — وإن لم يكن مباشرًا — في طبيعته السيرية، وقد كتب في أواخر مسيرة ميشيما. عنوان العمل الأول يوحي باعتراف ليس عن ارتداء قناع، بل أن القناع ذاته هو الذي يقوم بالاعتراف — وليس بالضرورة عن كونه قناعًا. أن تكون المثلية الجنسية هي ما يُخفى ليس هو المهم، بل القضية الحقيقية هي كيفية تقديم الرغبة عمومًا وتكييف تعبيراتها لتتلاءم مع الأشكال المقبولة اجتماعيًا — وهو مأزق أشد حدة بالنسبة للياباني مقارنة بالغربي. كما في «مالته»، حيث يدور معظم النص حول محاولة «إتمام» الطفولة، فإن دراما «اعترافات قناع» تقع على مسرح الطفولة والشباب، «مسرح حيث يتشابك الزمان والمكان».

يفتتح الكتاب بسلسلة من الذكريات الطفولية (فرويد سيقول إنها خيالات من ذكريات الطفولة) من السنوات الأولى من الحياة. الصورة الأولى، التي تعذب بطل الرواية بشكل دائم، هي من مواجهته في سن الرابعة مع عامل ليلي شاب، حيث ولّد لقاؤه شعورًا بـ«مزيج غريب من اللاشيء والقوة الحيوية». وفي وقت لاحق، مشهد الشباب في المهرجان الذين يحملون المعبد — والذي يحتوي على «مكعب أسود تمامًا من الظلام الدامس: مكعب مثالي من الليل الفارغ» — ويعيثون فسادًا في حديقة منزل طفولته، يصدم المراقب الصغير بـ«أمواج متكررة من الصمت المجمد والزئير الذي لا معنى له». لكن الجانب الأكثر رعبًا في المشهد هو التعبير على وجوه الشباب الجامحين — «تعبير عن النشوة السكرية الأكثر فحشًا وانفلاتًا في العالم». هذا النوع من التناقض يشكل الكتاب بأكمله، ويشير إلى مؤلفه كفنان ديونيسي نموذجي الذي، حسب كلمات نيتشه، «قد توحد مع الوحدة الأصلية، مع ألمها وتناقضها». كما يرى فرويد أن دوافع ورغبات الطفولة (حتى عندما تُقمع بنجاح) «خالدة»، يدرك مالته عند بداية مراهقته أن «الواقع اللامتناهي للطفولة... لن يتوقف». ومع ذلك، من الضروري الاستجابة لنداء ذكريات الطفولة والخيالات وصور الأحلام لإحداث الاستعادة. عند عودته إلى مسقط رأسه بعد وفاة والده، يجد مالته نفسه محاصرًا بتأثيرات وارتباطات لم تكتمل بعد، ولم تُسيطر عليها: «إذن على المرء أن يُنجز طفولته أيضًا بطريقة ما، إذا لم يكن يريد أن يتخلى عنها للأبد».

في بداية «مذكرات» يكتب مالته أنه «يتعلم الرؤية»، وهي عملية تتضمن إدراك الوجه كقناع: «لكل شخص عدة [وجوه]... [بعضهم] يضع وجوهه الواحدة تلو الأخرى بسرعة غريبة ويستهلكها... آخرها يُستهلك في أسبوع... ثم شيئًا فشيئًا يظهر تحتها، الوجه الذي لا وجه له، ويمشون بذلك». دائمًا هناك خطر فقدان القناع، أو انحلال الشخصية — كما في المشهد الكابوسي الذي يتبع هذه التأملات مباشرة. تنهار امرأة في الشارع فجأة إلى يديها: «تسارعت المرأة وابتعدت بسرعة كبيرة عن نفسها، بعنف شديد، لدرجة أن وجهها بقي في يديها. يمكنني رؤيته ملقى فيهما، شكله المجوف. بذلت جهدًا لا يوصف للبقاء مع تلك الأيدي وعدم النظر إلى ما تمزق منها. ارتعدت لرؤية وجه من الداخل، لكنني كنت أكثر خوفًا من الرأس العاري بدون وجه». يمكن أن تشكل ضغوط الحياة الوجه إلى قناع، والذي يصبح الشخص ذاته لدرجة أن الذات تندمج مع أقنعتها وتصبح هي نفسها. عندها حتى رؤية الداخل الممزق للقناع تكون أسهل تحملاً — على الأقل يكون شيئًا — من بقايا ما كان القناع يغطيه.

أول مواجهة لمالته مع الأقنعة الحقيقية كانت، كما يظهر، تجربة معقدة وصادمة. لقد اكتشف غرفة في منزل العائلة تحتوي على خزائن كبيرة مليئة بالأزياء الفاخرة والإكسسوارات: «في ذلك الوقت، تعلمت معرفة التأثير الذي يمكن أن ينبعث مباشرة من زي معين. بالكاد ارتديت أحد هذه الملابس، حتى اضطررت للاعتراف بأنه سيطر عليّ، أنه أملى عليّ حركاتي، تعابير وجهي، نعم، حتى أفكاري». معظمنا يدرك، ولو بشكل ضمني، تأثير ملابسنا على طرق تصرفنا وعلى طرق استجابة الآخرين لنا، ونعتبر مظهرنا وسيلة حرة «للتعبير عن أنفسنا». لذا قد لا يبدو الفتى —على الأقل في البداية — كأنه يحتج كثيرًا عندما يقول: «هذه التنكرات لم تصل إلى حد جعلتني أشعر بالغربة عن نفسي، بل على العكس، كلما كانت تحولاتي أكثر تنوعًا، كلما ازددت يقينًا بنفسي». لكن الجانب الشيطاني لقوة التنكر — القناع كإله، الشخصية كتعقد وشخصية مستقلة — سرعان ما يظهر.

عندما اكتشف مالته لأول مرة الأقنعة، قال: «لم أكن قد رأيت الأقنعة من قبل، لكنني فهمت على الفور أنها يجب أن تكون» — في ذلك الوقت جاء ديونيسيوس بتجلّيه الكابوسي. تحلَّق الفتى حول قناعٍ تلفه الملابس المتراكمة والأوشحة، فتدفعه حالته المربكة إلى إسقاط طاولة الثمينة من الزينة وزجاجات العطور. يتسلل إليه الذعر، وهو شائع في تجربة العقاب الطفولية القادمة. كلما جاهد للتخلص من ملابسه، كلما زادت إلتصاقها به. هرع إلى المرآة:

بينما كنت أسعى بألم متزايد بلا حدود لكي أخرج من زينتي ... [المرآة] فرضت علي صورة... واقع غريب وغير مصدق ومرعب، امتلأت به ضد إرادتي... حدقت في هذا الشخص الرهيب المجهول قبلي، وشعرت بالرعب أن أكون وحدي معه. لكن في اللحظة التي فكرت فيها بذلك... فقدت كل شعور، وتلاشت تماماً. لثانية واحدة كان لدي شوق لا يوصف، مؤلم وعقيم لذاتي، ثم لم يكن هناك سواه: لم يكن هناك سواه.

هذه هي قوة الشخص الغريب خلف القناع — ويصبح اكتشاف كونه آخر أمراً مرعباً. إذا كان التماهي مع القناع يمكن أن يعزل المرء عن ذاته السابقة، مُحطماً الشخصية، فقد لا يكون هناك شيء بينهما، خلفه أو تحته. وهكذا نجد مالته، بعد عشرين عاماً، يكتب في غرفته الصغيرة في باريس: «أجلس هنا ولا أكون شيئاً». كانت هذه التجربة قد سبقتها لذته الخاصة (غير النادرة بين الأولاد في سنه) في ارتداء ملابس النساء، «أن أكون جارية على وشك البيع، أو أن أكون جان مظلم» — في تقمص شكل الجنس الآخر. كانت تجربة ميشيما الأولية مماثلة تقريباً من حيث الصدمة، وقد تم التمهيد لها أيضاً بصورة جان مظلم — هذه المرة مقنّعة عندما رأى في كتابه المفضل صورة جان مظلم في خوذة مدرعة، اعتقد أنها رجل. كان اكتشاف أن الفارس الشاب — الذي كان موضوع خيالاته اللاحقة عن الموت البطولي الوشيك — كان في الحقيقة امرأة متنكّرة كرجل مدمراً. بعد ذلك بوقت قصير، وعندما أخذ إلى المسرح لرؤية سيدة ساحرة غريبة تُدعى تينكاتسو، استحوذت عليه الرغبة في «أن يصبحها». ومن ثم بدأ يرتدي ملابس النساء — تمثيل عكسي. ومع ذلك، عندما عرض تقمصه لتينكاتسو لأول مرة للجمهور، كان رد فعل والدته على زيه المبالغ فيه ومستحضرات التجميل غير متحمس، وأُمر بنزع تنكّره من قبل خادمة — «مثل دجاجة تُنتزع ريشها». عند تقمصه لدور بطلة أخرى، الملكة كليوباترا، عاد إلى التمتع بخيالاته وارتداء الأزياء في السر.

قريباً بعد هذه الحلقة، يجد البطل بعض الاستراحة من الأجواء القمعية لعائلته المباشرة عند قضاء الوقت في منزل ابنتين من قريباته. لكنه يجد أن في هذا المنزل يُطلب منه أكثر «أن يتصرف كولد»؛ «قد بدأت التمثيلية المترددة... كنت أبدأ في فهم غامض... أن ما ينظر الناس إليه كتمثيل من جانبي هو في الواقع تعبير عن حاجة للعودة إلى طبيعتي الجوهرية، بحيث أن ما يبدو طبيعياً كان تمثيلية». ومع تطور البطل المراهق، تبدأ ثلاثة عوامل في تعقيد الوضع: يبدأ في الشعور بجاذبية لأول مرة تجاه الأولاد الأصغر سناً منه؛ يدرك أنه يخدع نفسه بشأن رغبته في الموت بنفس الطريقة التي يخفي بها رغبته الجنسية (الحب والموت يتداخلان كموضوع في كتابة ميشيما التالية)؛ ويبدأ في علاقة حب مزيفة مع الشابة الجميلة سونوكو. تؤدي هذه الخدعة الأخيرة إلى ضغط كبير على التمثيلية مما يؤدي إلى تبادل الشخصيات الحقيقية والمزيفة، وتحول طبيعي للشباب والانعكاس البادئ، وتقلب للأقنعة والوجوه: «لقد أصبح 'عملي' جزءاً لا يتجزأ من طبيعتي... لم يعد تمثيلاً. المعرفة بأنني أتمثّل كإنسان طبيعي قد أكلت حتى ما تبقى من طبيعيتي الأصلية، مما جعلني أخبر نفسي مراراً وتكراراً أنه كان أيضاً مجرد تظاهر». هذه لحظة من الحقيقة تشابه تجربة مالته مع المرآة: فقدان الإحساس بشخص ثابت خلف القناع ومنفصل عن الدور.

وأخيراً، تُفجر فرضية الشاب بأن عدم اهتمامه الجنسي بسونوكو قد يكون قناعاً لرغبته الحقيقية بها عبر الخيال المفرط لقتل طقوسي (مقتبس من صورته المفضلة عن استشهاد القديس سباستيان): «يترجرج قلبك تحت تدفق الإثارة البدائية والغموض. يملأ الفرح البدائي صدرك. تلمع عيناك، وتشتعل النار في جسمك، وتفيض بمظاهر الحياة التي تعبدها القبائل البدائية». تصبح هذه التجربة أكثر بدائية وأرشيفية، ولكن من تلك النقطة العالية، يبدو أن قوة الحياة للبطل تتضاءل تدريجياً — حتى النهاية، وهي حلقة درامية متعمدة. تذكّر هذه الحركة النهائية نحو الأسفل في الكتاب قلق مالته حول ما إذا كان استرجاع الطفولة، واستعادة السيرة الشخصية، كافياً لكي يصبح المرء ذاته. «هل من الممكن أن يكون المرء قد اعتقد أنه من الضروري استرجاع ما حدث قبل ولادته؟ هل من الممكن أن يكون المرء ملزماً بتذكير كل فرد أنه فعلاً نبع من كل من سبقوه...». كل من نيتشه ويونغ سيقولون نعم.

بعد — وربما بسبب — تجربة مالته المسرحية المؤلمة، نادراً ما يذكر المسرح حتى قرب نهاية مذكراته، حيث يُعطى جزء من فسيفساء إعادة تصور الأحداث التي قرأها في النصوص التاريخية طابعاً مسرحياً. يبدأ المقطع التالي: «خارجياً، تغيّر الكثير. لا أعرف كيف. ولكن داخلياً وأمامك، يا إلهي، داخل أمامك، ألسنا بدون حركة؟ نكتشف، في الحقيقة، أننا لا نعرف دورنا، نبحث عن مرآة، نريد أن نزيل التزيين وننزع التزوير ونكون حقيقيين. لكن في مكان ما، جزء من تنكرنا لا يزال يلتصق بنا وننسى. ...وهكذا نذهب... لا نكون، ولا نكون ممثلين». التمييز بين العوالم الداخلية والخارجية (موضوع مفضل لدى ميشيما أيضاً) شغل ريلكه طوال عمله وتطور بشكل خاص في مالته. أحياناً يبدو أن العوالم لا يمكن مقارنتها؛ وغالباً ما يُعكس الفهم التقليدي — بقدر ما يشجعنا ريلكه على التغلغل إلى داخل الأشياء الخارجية، وإدراك أن أبعاد العالم الداخلي تمتد، بشكل مفارق، إلى ما وراء أبعد امتدادات الخارج. قد نستخدم الأقنعة لإخفاء الأحداث الداخلية عن أنفسنا؛ لكن في العالم الداخلي، أمام ذلك الوجود الذي يسميه ريلكه هنا «الإله»، تكون عديمة الفائدة وسخيفة. المقطع التالي، الذي يصف زيارة إلى المدرج الروماني في أورانج، ينقل مسرح الحياة الشخصية إلى مرحلة أكثر كونية. عند دخول الأطلال، يشعر مالته فجأة أن مسرحاً يحدث، «دراما هائلة ما فوق بشرية» يجلس مصدوماً ويرى المسرح كله «القناع القديم القوي الذي يخفي كل شيء، وراءه يتكثف العالم إلى وجه».

دعني أُقدّم ملخصاً، وإن لم يكن حاسماً، لمختلف الآراء التي تناولناها بشأن الذات وأقنعتها. في بدايات نيتشه، تحت تأثير جوانب ديونيسيوس في شوبنهاور وفاغنر، بدأ برؤية جذرية للأشخاص باعتبارهم أقنعة لقوة أعظم. اعتبر أن البشر «صور وتجسيدات فنية للخلق الحقيقي [الرسام الأول للعالم]»، ورأى أن لنا «أعلى كرامتنا في كوننا أعمالاً فنية». أما بالنسبة للأقنعة التي نستخدمها في أدوارنا اليومية، فإن يونغ وريلكه وميشيما يتبعون نيتشه في اعتبارها ضرورية، تكشف وتخفي في آن واحد، وتتشكل بقدر ما تكون ناتجة عن توقعات خارجية كما تكون عن رغبات داخلية. لا يبدو أن أي منهم يجد المتعة في استخدام الأقنعة كما يجدها نيتشه (على الرغم من أن ميشيما يقترب من ذلك): لا أحد منهم يستخدمها بتنوع الأساليب التي استخدمها نيتشه في كتاباته.

يبدو أن هناك اتفاقاً إضافياً على أن التماهي الكامل مع الأقنعة مُعطِّل: إما أن يصبح الشخص مجرد شاشة فارغة لتوقعات الآخرين — كل القشرة بدون جوهر — أو يفقد نفسه في مسرحية مرايا تبحث عن الممثل الذي ليس صورة منعكسة. الروايات كلاهما تقدم برنامجاً لكشف الأقنعة، والذي يتضمن استرجاع الطفولة كمرحلة سابقة لاكتساب الأقنعة بأي شكل. ينتهي مالته بإعادة صياغة مثل الابن الضال — شخصية البطل، على الأرجح — الذي يعود إلى المنزل في محاولة لاستعادة ذاته «ما قبل القناع»، ليتعلم «أن يحب» و«يقترب من الإله». في حين أن فهم ريلكه للإله، الذي يحتضن بدلاً من استبعاد العدمية والموت، يبعد كثيراً عن أي مفهوم مسيحي تقليدي، إلا أنه يتشابه مع فكرة يونغ عن «الذات». يبدو أن ريلكه ويونغ في بداياتهما (على الأقل في أسلوبهما الأحادي المركز) يقترحان أن الانتقال خلف الأقنعة سيكشف عن وجود مركزي يمكن أن يوجه ويمنح السلطة لتجسيد الأدوار.

تنتهي رواية ميشيما بشكل مؤلم ومُظلم — وفي طريقة تتميز بها الرواية اليابانية الحديثة — تترك الأمور مفتوحة، والأقنعة لا تزال في مكانها. قد يتوقع المرء أن يجد فهماً يابانياً تقليدياً للذات والأقنعة لدى ميشيما؛ ولكن على الرغم من دراسته الشاملة والمتعمقة للأدب الصيني والياباني الكلاسيكي، فقد كتب اعترافات قناع بعد عقد من القراءة المتعمقة لعدد من الكتاب الغربيين. كما في مالته، هناك مواجهة مع الصور الخالدة للطفولة — لكن الاسترجاع يدفع إلى أبعد من ذلك، إلى ما قبل الولادة، في محاولة للاتصال بتجلي أصلي لقوة الحياة — التي هي، بداهة، قوة للموت وخلاء. ومع ذلك، فإن حماس ميشيما لمولد التراجيديا ليست فقط بسبب أهمية الصور الديونيسية لـ «مزيج العدمية والقوة الحيوية» في اعترافات قناع. تأثر ميشيما أيضاً بتفكير الزن، وهو مبدأ مركزي فيه هو أنه خلف الشخص لا يوجد سوى اللاشيء. ربما يمكن لبطل ميشيما أن يتعلم كيفية اللعب بالأقنعة من خلال إدراك أنه خلفها لا يوجد سوى — في واحدة من أكثر صور الزن صمتاً وقوة — «وجهه قبل أن يولد والديه». إدراك الشاب أن ما اعتبره ذاته الحقيقية لم يكن سوى قناع آخر يتماشى أيضاً مع فكرة نيتشه بأن الأمر لا يحدث فقط عندما تتماسك الأقنعة أو تتجمع في وحدة يظهر فيها الممثل أو تُكوّن الشخصية. في الحقيقة، أقصى إجابة على سؤال ما وراء الأقنعة تأتي من تحليل نيتشه — هذه الكلمة تؤخذ بمعناها الأقوى الحرفي —للشخصية. في العقد الأخير من كتاباته، وعاملاً تحت عين ديونيسيوس المجنونة، يقوم نيتشه بأعمال الكيمياء الدقيقة لتفكيك «الأنا» الواحد خلف الأقنعة إلى سلسلة من التعددات — أولاً إلى مجتمع من الأشخاص، ثم إلى تعددية من الدوافع (الـ«غرائز» في التحليل النفسي)، وأخيراً إلى مجال قوة متعدد المراكز من الطاقات التفسيرية. في حين أن الإجابة النهائية على سؤال «من يتحدث؟» خلف الأقنعة هي «طاقات التفسير»، فإن الإجابات المتوسطة لنيتشه تكون أكثر إثارة للتفكير نفسياً: «هذا المنظور المعين، ذلك الدافع، الشخص الذي هو كذا وكذا». ولا يوجد شخص واحد خلف الأقنعة: مسرح الدراما العالمية لا يوفر أرضية ثابتة يمكن أن يتخذ منها الأنا الثابت موقفاً؛ لا يوجد ممثل مستقل، مخرج أو منتج خلف الشخصيات الدرامية. الافتراض بوجود أحدهم هو الاستسلام للميل (الذي يظهر نيتشه أنه غير مبرر) لتصوير متحدث خلف كل خطاب، فاعل خلف كل فعل، ممثل خلف كل عمل. في جوهره، الهاوية وحدها تتحدث. الدراما هي كل شيء — ولا يمكن فصل الوجوه عن الأقنعة أكثر من فصل اللاعبين عن العرض.

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق