الاستعارة الميتة

تعد الاستعارات ركيزة أساسية. عندما تتناغم بكمالها، تستطيع الاستعارة أن تحفر الصورة أو المعنى في بضع كلمات فقط. ومع ذلك، في بعض الأحيان، لا تكون على أتم استعدادها. يُعرف بالاستعارات الميتة تلك التي تجلب إلى الأذهان أفكارًا مستهلكة وكلماتًا جافة، ويتجنب معظم الكتَّاب تضمينها في أقلامهم. ولكن هل هناك لحظة يمكن أن تجد فيها هذه الاستعارات مكانًا؟

لنبدأ أولًا بتعريف الاستعارة الميتة

قبل أن نلقي نظرة على بعض أمثلة الاستعارات الميتة ومزاياها (أو نقصها)، دعونا نحدد تعريفًا. من الواضح أنه من المهم معرفة ما هي الاستعارة الاعتيادية قبل أن تتمكن من التعرف على الاستعارة الميتة.

الاستعارة هي نوع من اللغة المجازية تقارن فيها شيئًا مع شيء آخر. على سبيل المثال، «الحب حرب» - هذا ليس مقارنة حرفية ولكنها تعني استعارة صفات شيء واحد لتوصيف شيء آخر.

إذًا، الآن، ما هي الاستعارة الميتة؟

الاستعارة الميتة هي استعارة فقدت معناها بسبب الاستخدام المفرط. ويُطلق عليها أحيانًا «الاستعارة المتجمدة»، وهي نوع من العبارات اللغوية المألوفة والمبالغ في استخدامها، والتي تتداخل أحيانًا مع التعابير الاصطلاحية. يتجنب الكتَّاب غالبًا استخدام هذا النوع من الاستعارة بسبب ذلك. ومع ذلك، يمكن استخدامها لأغراض كوميدية بالتركيز على وجودها.

أمثلة على الاستعارات الميتة:

  • جرحتني كلماته
  • غباء العقل
  • رأسًا على عقب

لقد شاهدتَ بالتأكيد الأمثلة أعلاه مليون مرة. هذا أمر لا يمكن تجنبه في حالة الاستعارة الميتة - فهي في كل مكان. ولكن ما الذي يميزها عن أنواع الاستعارات الأخرى؟

الاستعارة الميتة هي مجرد واحدة من أنواع الاستعارات المتعددة. كتذكير: الاستعارة هي لفظة تنقل صفات كلمة أو عبارة إلى موضوع بطرق ليست حرفية.

بالطبع، جميع الاستعارات الميتة هي استعارات، ولكن ليست جميع الاستعارات استعارات ميتة أو تموت تدريجيًا. بعضها ما زال حيًا وبصحة جيدة. وإليك ما يفصل الاستعارات الميتة عن بعض أنواع الاستعارات واللغة المجازية الأخرى.

الاستعارات الميتة والاستعارات الضمنية

الاستعارة الضمنية هي استعارة تُغفل فيها واحدة من العناصرين التي تجرى مقارنتهما بشكل مجازي. حسنًا، فماذا يعني ذلك بالضبط؟ تخيل هذا السطر: «النقيب نبح أوامره على تحتيه». في هذا المثال، يتم مقارنة النقيب بالكلب، ولكن «الكلب» لم يُسمَ بشكل صريح. لذا، يُمكن وصفها بأنها استعارة ضمنية.

بعض الاستعارات الميتة هي استعارات ضمنية، والعكس صحيح. خذ على سبيل المثال عبارة «غرق في التفكير». هذه العبارة تقارن بشكل ضمني موضوعًا بالانغماس، لذا فهي استعارة ضمنية. ولكنها أيضًا تم استخدامها مليون مرة، ولم تعد تستحضر تلك الصورة عندما يتعامل شخص ما معها. لذا فهي استعارة ميتة.

الاستعارات الميتة والاستعارات المختلطة

الاستعارات الميتة والاستعارات المختلطة مشابهة لأنهما عادة ما يتجنبهما الكتَّاب. ومع ذلك، الاستعارة المختلطة هي سوء استخدام للغة المجاز - فهي تمزج بين عبارتين مجازيتين بطريقة لا تجعلها منطقيةً.

إليك مثال على الاستعارة المختلطة: «أصاب كبد الحقيقة». في هذا المثال، نمزج بين عبارتي «أصاب كبد» و«الحقيقة» لإنشاء عبارة لا تجد معنى.

قد لاحظت أن العبارتين الممزوجتين في الواقع هما استعارتان ميتتان. وذلك لأن الاستعارات المختلطة تعتمد على الاستعارات الميتة للعمل. إذا مزجوا بين مجرد عبارتي استعارة عشوائيتين، لكانت تلك العبارة هي سواء عبارة غير مفهومة (أو بالأحرى، أكثر سوءًا مما هي عليه بالفعل).

الاستعارات الميتة والتعابير

التعابير هو مصطلح لا يمكن استنباط معناه استنادًا إلى مضمونه الفعلي. بدلًا من ذلك، معنى التعبير يأتي من السياق الثقافي. على سبيل المثال، «إنها تمطر قططًا وكلابًا» لا تحمل معنى حرفيًا، ولكن إذا تمعنت، فإنك تعلم أنها تعني تمطر بغزارة.

لذلك، الاستعارات الميتة والتعابير اللغوية لديها تداخل كبير. لنأخذ الجملة: «اختبار الطريق كان سهلًا كقطعة من الكعك». هنا، لدينا استعارة ميتة - اختبار الطريق يتم مقارنته مجازيًا بقطعة من الكعكة، وهو استعارة سمعناها مليون مرة.

ولكن عبارة «قطعة من الكعكة» هي أيضًا تعبير لغوي. لنأخذ هذه المجموعة من الكلمات على وجهها. لا شيء في «قطعة من الكعكة» تشير إلى أنها تعني «سهل».

بطبيعتها، الاستعارات الميتة موجودة في كل مكان. فلماذا ينصح معظم معلمي الكتابة بتجنبها؟

الجواب مشابه لسبب تجنب العبارات المألوفة. إذا كانت كتاباتك مليئة بعبارات قد سمعناها مليون مرة، فلماذا يجب أن نقرأ كتاباتك؟ إنها لا تقدم شيئًا جديدًا.

وعلاوة على ذلك، الاستعارة الميتة لا تنقل الكثير من المعلومات مقارنة بتعبير فريد. جورج أورويل، واحد من أعظم كتَّاب القرن العشرين، ألخص بإيجاز لماذا يمكن أن تكون الاستعارات الميتة مشكلة في مقاله «السياسة واللغة الإنجليزية»، وهي قراءة ضرورية لأي كاتب:

ها هو يوجد تراكم ضخم من الاستعارات المرهقة التي فقدت كل قوتها التوجيهية واستخدمت فقط لأنها توفر للناس عناء اختراع عبارات بأنفسهم [...] العديد من هذه الاستعارات تُستخدم بدون معرفة بمعناها [...] وغالبًا ما يتم مزج استعارات غير متوافقة، علامة مؤكدة على أن الكاتب غير مهتم بما يقول. بعض الاستعارات التي تُستخدم الآن قد تم تحريف معناها الأصلي دون أن يكون مستخدموها على علم حتى بوجود هذه الحقيقة.

بالنسبة لأورويل، الاستعارة الميتة غالبًا ما تشير إلى الكتابة الكسولة - شيء لا يُرحب به أبدًا.

أشهر مثال في اللغة العربية كلمة «منافق» وأصله اللغوي النفق الذي يتخذه الحيوان فيدخل من وجه ويخرج من وجه آخر، وكذلك يفعل المنافق فهو يدخل في الإسلام ويخرج من وجه غير الذي دخل به.

ولم يكن هذا المعنى معروفًا قبل الإسلام أي قبل نزول القرآن الكريم.

نافَقَ اليربوعُ إذا دخل في نافِقائه (أي نفقه)

في لسان العرب ورد على لسان أبي عبيد: سمي المنافقُ مُنافقًا للنَّفَق وهو السَّرَب في الأَرض وقيل إنما سمي مُنافقًا لأنه نافَقَ كاليربوع وهو دخوله نافقاءه. يقال قد نفق به ونافَقَ وله جحر آخر يقال له القاصِعاء فإذا طلِبَ قَصَّع فخرج من القاصِعاء فهو يدخل في النافِقاء ويخرج من القاصِعاء أو يدخل في القاصِعاء ويخرج من النافِقاء فيقال هكذا يفعل المُنافق يدخل في الإسلام ثم يخرج منه من غير الوجه الذي دخل فيه.

المهم لم يعد أحد يذكر الآن النفق ولا اليربوع وصارت كلمة المنافق والنفاق مصطلحًا يدل على اختلاف الظاهر عن الباطن.

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق