الشلل الإبداعي

قفلة الكاتب أو متلازمة الورقة البيضاء، مصطلح متداول بين الكتاب، وأشهر من يُعَانِي منها من يشتغلون بالكتابة الإِبْدَاعية ككتابة القصص والروايات، لكنها ليست حصرًا عليهم، فالبقية يعانون من نوع آخر من أنواع متلازمة الورقة البيضاء، وهو الذي يجعلهم يشعرون أن تعبئة الورقة الفارغة بمحتوى طويل ومتصل يضفي مسؤولية على الكاتب؛ وبالتالي فالعبارات والأفكار المتناثرة المعتادة تصبح فقاعات ويبقى الشخص حائرًا أمام الورقة البيضاء التي يعصف بها الفراغ.

ومن أشهر الكتاب الذين عانوا من هذه المتلازمة، العبقري ج. ر. ر. تولكين الذي استغرق ١٦ عامًا في كتابة ثلاثيته الرائعة سيد الخواتم. مبدع آخر حاصل على جائزة نوبل للأدب، عانى من هذه المتلازمة وهو جون شتاينبك والذي استغرق في كتابة روايته "فئران ورجال" ١٠ سنوات كاملة. ويبدو أن هذه الظاهرة لا يعرفها سوى عمالقة الأدب، بدليل أن فيكتور هوغو، أفضل الأدباء على مرّ العصور عانى منها. حيث أن روايته "البؤساء" تطلبت منه ١٧ سنة لإنهائها. أما الكاتب الغني عن التعريف إرنست هيمنغواي فلقد كان يعتبرها أكبر مخاوفه. 

أسباب متلازمة الورقة الفارغة

أسباب متلازمة الورقة الفارغة، أو قفلة الكاتب، كثيرة ومتعددة. من بينها التوتر وضغوطات العمل والرغبة في الإنتهاء في الموعد المحدد. إضافة إلى ذلك، يعد الإرهاق الجسدي عاملًا مؤثرًا في ظهور هذه المتلازمة، إلى جانب الأرق وسوء التغذية.

بالرغم من ذلك، إلا أن العلماء لم يجدوا السبب الرئيسي لهذه المتلازمة، بل إن بعضهم يرفض الإعتراف بها كمتلازمة في حد ذاتها.

هل متلازمة الورقة البيضاء خاصة بالأدب فقط؟

رغم أن المصطلح مرتبط ارتباطا وثيقاً بالكتّاب، إلا أن الظاهرة يمكن أن تُلاحَظ عند الرسام والمطرب وغيرهما. في الواقع، كل من يتطلب عمله إبداعًا يمكن أن يصاب بهذه المتلازمة.

كيف نتغلب على الشلل الإبداعي؟

لايوجد حلّ سحري للتخلص من متلازمة الورقة الفارغة، بل توجد هناك عادات يجب تغييرها وأخرى يجب إضافتها إلى الروتين اليومي لك ككاتب أو فنان مثل:

  • أن تغير مكان العمل، أو أن تعمل خارج المنزل في الهواء الطلق.
  • عدم الخوف من الإنتاج الأدبي أو الفني السيء والتوقف عن البحث عن المثالية.
  • إذا جاءتك فكرة في منتصف الليل، فدونها، فقد تكون احدى ابداعاتك التالية.
  • غير أدواتك التي تعمل بها، اذا كنت معتادا على الرسم بالألوان الزيتية فاستبدلها بالألوان المائية مثلًا، و إذا كنت تكتب بالكمبيوتر فحاول ان تكتب بالقلم والورقة.

الكتابة فن يستلزم أن تتعلم فيه كيف تكسر الحواجز النفسية، وتبتكر الفكرة، أو تستلهمها مما حولك، وتجيد كتابة المقدمات، وصياغة الأفكار الفرعية وربطها، وتتعنى في ابتكار الشخصيات، إن وجدت، مع إتقان ختم المكتوب بخاتمة أنيقة معبرة، وعنوان مبتكر، وهذا يحتاج لتعلم وممارسة مستمرة لا مجرد تباهٍ بأنك كاتب فذ في حين أنك مجرد كاتب جُمل مجتزأة ومقاطع متناثرة!

الكتابة قلعة حصينة، مَنْ يبذل مزيد جهد ليجد مفاتيح بواباتها، ويتعرف على طرقاتها الرحبة، وبيوتها الآسرة، لن يتعافى من متلازمة الورقة البيضاء فحسب، بل سيعيش لذة تطرد الكثير مما يتركه وجع الكتمان في القلوب، وسيوقن أن القلم هبة الله لعباده، رسول أفكارهم، وترجمان بؤسهم، ودواء جراحاتهم.

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق