سلسلة بناء العالم - الجزء الثالث

كيف يمكنك أن تقنع القارئ بأنه في عالم يمكن به لحبات الفجل أن تصرخ حتى تفقدك وعيك. وأن الحلزونة تستطيع نقل الإتصال عبر الأثير. وأن للشعر أن يحمل قوى شفائية خارقة؟

إن فن بناء عالم القصة وإحكام قوانينه يتطلب الكثير من التخطيط والتجهيز المسبق لكتابة أحداث القصة وشخوصها. حيث أنه من غير المنطقي أن تموت شخصية ما بسبب رصاصة قاتلة بعد أن أوضحنا أن البنادق لا تقتل بشر هذا الشعب ولا تؤثر فيه. فعلى الكاتب أن يضع دومًا مخارج مُقنعة للقارئ توضح له تلميحًا أو تصريحًا سبب تغير الأحداث أو حصولها من الأساس. ففي مثال البنادق السابق يمكن وضع محادثة بين القتلة عن وضعهم لمحلول خاص يُسمم المصاب ويقتله. أو أن يكتشف المحقق أن الرصاصة ليست من الحديد الخالص بل خُلطت بمكون سري لا يملك هذا الشعب مناعة ضده.

إن بناء عالم قصصي أكبر وأكثر تعقيدًا من مجرد تبرير حدث واحد فحسب، بل هو بناء عالم خيالي متكامل بقوانينه وتاريخه.  ففي القصة الخيالية ستمر الكثير من الأحداث اللامنطقية على القارئ، ومن واجبك ككاتب أن تجعل هذه الأمور اللامعقولة تسير بسلاسة الإعتيادي حتى يفهم القارئ نوعية عالمك وقوانينه دون أن تسردها عليه سردًا بطريقة مملة وكئيبة!

قوانين لبناء عالم جيد

في الحقيقة، إن التعلم من الأخطاء أكثر إفادة من تتبع قوانين محددة قد تنجح وقد لاتنجح مع قصتك الخاصة، لذا لنتعرف على بعض قوانين بناء عوالم القصص.

عدم وجود قوانين أساسية للعالم الذي تكتب عنه

أي ببساطة، تكتب مع الزمن ولاتعرف إن كان في هذا العالم أي قوانين خاصة ومميزة أصلًا، أو تتجاهل ذكر هذه القوانين الخاصة كنوع من الغموض المبالغ فيه لتصبح أحداث القصة لا منطقية بعقل القارئ الذي يقرأ وهو لا يعرف الخلفية التي تبني من خلالها أحداث القصة. يجب أن يكون هنالك أساس وأجوبة جاهزة مسبقاً لعالمك: ماهو هذا العالم؟ ما تاريخه؟ ماهي ثقافته؟ كيف يأكلون؟ أين ينامون؟ ماذا يلبسون؟ ماهي موسيقاهم وأي الكتب يفضلونها؟ ألديهم قوانين فيزيائية مختلفة عنا؟ ماهي؟ ما أوجه الإختلاف؟ لماذا مختلفة؟ ماهي هذه القوانين الجديدة وما الذي تفعله بالعالم بالضبط؟ ضع هذه القوانين والتزم بها، يفضل دومًا أن تضع ورقة جانبية بها إجابات هذه الأسئلة وملاحظات مهمة عن عالمك وعن الحبكة والشخصيات. ستجد أن عالمك يبني نفسه بشكل محكم ومتوازن لوجود قواعد أساسية تم وضعها مسبقًا. أيضًا ستسهل عليك مهمة بناء الشخصيات وتفسير الحوادث دون أن تضطر كُل مرة محاولة تذكر سبب الأحداث خاصة عند التقدم بالقصة.

الإهتمام ببناء العالم وجعل القصة جزء منه، لا العكس

أي أن تهتم بتجاهل النقطة السابقة كثيرًا حتى تكتشف أنك تبني عالمًا موازيًا بكامل قوانينه بلا قصة تقدمها للقارئ. حيث تجعل الأولوية للعالم وقوانينه، تصبح القصة جزءًا بسيطًا مما تقدمه، لا الأساس الذي يجب أن تبني العالم من خلاله ولأجله. التوازن بين الاهتمام ببناء عالم القصة وخلفيتها يجب أن لا يطغى على القصة وأحداثها. صدقني لن يعرف أحد أنك غيرت أحد قوانين عالمك الخيالي في آخر لحظة ليتواءم مع حدث مهم في القصة. المهم هو أن تقدم القصة والعالم الذي تدور من خلاله بطبق متوازي ومتجانس، لايطغى عنصر فيهما على الآخر وتتفكك خيوط غموضه بسلاسة أثناء تقدم القصة وتفكك أحداثها.

الأحداث الجانبية تساوي القصة برداء مختلف

إن تجاهل وضع خلفية لبناء الشخصيات الجانبية ولقصصها أثر سلبي يجعل القصة ذات بُعد واحد ويفقدك فرصة كبيرة لتوضيح عالمك الخيالي وتعقيداته. حسنًا، في الحياة الواقعية فإن الأحداث الجانبية لا تحمل جميعها معنى بغير مغامرة حياتنا ككل. لكن في القصص على كُل حدث عابر أن يحمل معنى بذاته يربط القارئ بالقصة، سواء كان شرح لقانون مهم سيتم ذكره لاحقًا أو لبناء حدث أكبر باستخدام تأثير (الفراشة). الكثير من الكُتاب يجعل الأحداث والشخصيات الجانبية  مثال لأساسيات العالم والقصة التي يحاول البطل كسرها والتمرد عليها. أو كمثال لماقد يحدث إن حاول البطل أن ينتهج مسارًا مختلفًا في الأحداث. هذه القصص الجانبية تساعد القارئ على فهم عالمك بشكل أفضل وأكثر شمولية.

عالم بدون قواعد حقيقية سيتهاوى مع أول اختبار

إن بناء عالم خيالي دون بحث معمق ووضع قواعد واقعية من السهل أن يصبح غير منطقيًا للقارئ، تكمن أهمية البحث ووضع قاعدة متينة للعالم الخيالي في جعله أكثر تقبلًا للذهن لاتصاله بشيء معروف مسبقًا. مثلًا عندما كتب إتش جي ويلز روايته الكلاسيكية حرب العوالم اعتمد على قاعدة بسيطة وهي "الجاذبية الأرضية" ليبرر هزيمة المريخين وعندما أصدر روايته "الرجل الخفي" فإنه وببراعة أخذ قاعدة فيزيائية وحولها لتكون أساس قصة خيالية لعالم مجنون يقع ضحية تجاربه الخاصة.

وعلى الرغم من أن الأحداث خيالية، فإن وجود قاعدة لتبريريها سهل بكثير استيعاب القصة والاستمتاع بها. ونجد هذا في الكثير من القصص والألعاب التي تعتمد على أخذ عنصر تاريخي معين وتحويره ليناسب القصة ومجراها، فكما تحول نوبوناغا إلى مسافر عبر الزمن ليوحد اليابان، فإن المغول قد يكونون قبيلة من الجن ضجروا الحياة الرتيبة بلا دماء بشرية تغذي قواهم الخاصة. هنالك عدة أنواع من البحث الذي يمكن فعله:

  1. العوالم الموازية: تشبه عالمنا لكنها تختلف فيه، ضع القوانين المختلفة وأبرزها بوضوح.
  2. العوالم التاريخية الخيالية: هي تاريخنا، لكن باختلاف خيالي مميز؛ أيوجد جِن فاعلين بالمجتمع؟ غيلان متحدثة؟ سفر عبر الزمن؟ يوجد في هذا النوع من القصص شرح مختلف يجعل الحدث مختلفًا عما نألفه من كتب التاريخ الرسمية.
  3. عوالم خيالية: مختلفة تمامًا عن عالمنا ولاترتبط به، لكنها ذات قوانين فيزيائية متشابهة بشكل تقريبي. جد الإختلافات والتشابهات وابن عليها مفاجآت حبكتك.

الصور النمطية أو الستيريوتايب

إنها أسهل تقنية لتقديم شخصية بشكل سريع ولا ترغب أن تقدم صفحات تعريفية عنها، وهي أيضًا أكثر طريقة قد ترفع عملك عاليًا، أو تجعله مبتذلًا! يمكن تعريف الصورة النمطية أو القولبة بأنها الصورة الذهنية الدارجة والمحددة مسبقًت عن شيء معين أو مجموعة أناس محددين. فكر بمشروب غازي معين وارتباطه بشخصيات محددة. أو بملابس مميزة يُميز صاحبها بصفات مشهورة قد تكون صحيحة واقعيًا وقد لا تكون كذلك. أن يكون الإيطاليون جميعًا جزءًا من عصابات المافيا، والعرب يسكنون في خيام بصحراء قاحلة والصينيين جميعهم بلا استثناء يأكلون كل ما يدب في الأرض هي صور نمطية عن شعوب مختلفة ومتشعبة الثقافات. في القصص استخدام هذه التقنية سيساعدك بشكل كبير في تسهيل مهمة فهم التعقيد، لكنها أيضًا تقنية قد تنقلب عليك إن تماديت في استخدامها. غالبًا يتم استخدام تقنية القولبة لدى الشخصيات الجانبية وعند شرح تاريخ القصة؛ توضيح جملة "إنهم شعب همجي" يمكن أن تختصر بإضافة شخصية ذات ملابس رثة ولا تعرف ماهية أساليب الحضارة من الحديث وتناول الطعام بلباقة.

بإختصار، استخدم هذه التقنية الكتابية بحذر، لئلا تصبح القصة مبتذلة ومكررة.

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق