التعجيب
يبدو أن هناك لحظةً حين يكتسب الجسم، والفكرة، وأي نوعٍ من المواضيع طريقةً تقليديةً لكيفية رؤيته ووصفه وفهمه. السماء زرقاء، والشيوخ مجعدون، والحرب فوضى.
لكن ماذا لو قُدِّمت هذه الأشياء فجأةً لك بطريقةٍ مختلفة؟ هذا ما يُسمى بالتعجيب - Defamiliarization، وهو تقنية فنية استخدمها الكتّاب لتقديم تجارب جديدة على الرغم من استخدام الأمور المألوفة والعادية.
تخيّل قراءة مقطع مثل «سجادة معلّقة عبر فروع البلوط العتيقة، ندى يتلألأ على خيوطها. الأنماط محبوكة بمهارة، تستدرج الضحايا إلى أحضانها بمكر». لن تعتبر الشبكة العنكبوتية أبدًا سجادة، ولكن الصورة تكون معقولة على الرغم من اختلافها عن المألوف. الآن الشبكة ليست مجرد شبكة، بل شيئًا أكثر من ذلك. من خلال التعجيب على الكائن، يُمكنك أن تُجبر جمهورك على استجواب آرائهم في العالم، مما يمنحهم رأيًا أكثر تعقيدًا وتقديرًا أكبر للشيء المُتعجّب.
التعجيب يتمثل في تقديم الأمور الشائعة للجمهور بطريقةٍ غير مألوفة أو غريبة، لتعزيز إدراك ما هو مألوف. فبحسب الشكليّين الروس الذين صاغوا هذا المصطلح، هو مفهوم أساسي في عالم الفن والشعر. ولقد أثر هذا المفهوم على فنون ونظريات القرن العشرين، امتدت إلى حركات متعددة منها الدادية، وما بعد الحداثة، والمسرح الشعبي، والخيال العلمي، والتفسير السردي للعهد الجديد. وإضافةً إلى ذلك، تم استخدامه كتكتيك في حركات حديثة مثل «تداخل الثقافات».
بوصفه «التغريب - Estrangement» أو «التعجيب»، يشير ذلك إلى جميع التدخلات على أشكال الفن التي تهدف إلى جعلها غريبة عن طبيعتها الأصلية، وبذلك تخلق لدى المتلقين شعورًا بالاغتراب، أو بالأحرى، لاكتشاف أنهم عادة ما يكونون مغتربين.
الشكليين الروس، وخصوصًا فيكتور شكلوفسكي، استخدموا مصطلح التعجيب للإشارة إلى الطُرق التي تهدف إلى منح اللغة الأدبية منظورًا جديدًا لرؤية الواقع المعتاد. يتم ذلك من خلال تقديمه في سياقات مختلفة لأولئك الذين عادوا إلى ذلك، أو عن طريق تمثيله بطريقة تُظهر أنه تمثيل خيالي، على سبيل المثال من خلال المبالغة، والكاريكاتير، والسخرية، والهوس. يُمكن تجربة هذا بشكل عام على ثلاث مستويات: المستوى اللغوي (مثلًا من خلال استخدام كلمات أو أشكال لغوية غير عادية)، ومستوى أنماط الأدب المعرفة ولكن المدرجة في ترتيبات غير عادية، ومستوى إدراك الواقع الذي يخلق مواقف أو علاقات غير متوقعة.
أكثر من فنون التقليدية، نجد استخدام تقنية التعجيب في فن الطليعية (منذ بداية القرن العشرين). وتم العثور على بعض التشابه مع التغريب في أعمال الإسباني رامون ديل فالي إنكلان المرعب، وفي إيطاليا يُعَدُّ جيوفاني فيرجا ممثلًا لهذا النهج. ومشابه جدًا للتغريب هو تأثير البُعد (Verfremdungseffekt) الذي أوصى به برتولت بريخت للمسرح. على الرغم من اختلاف تأثير البُعد البريختي عن التغريب الصحيح، يسعى الهدف منه إلى ألا يتطابق الجمهور مع التمثيل، بل يعلم دائمًا أنه تمثيل خيالي.
الصياغة
في عام ١٩١٧، ابتكر الشكلي الروسي فيكتور شكلوفسكي مصطلح التعجيب للمرة الأولى في مقاله «الفن كجهاز» (أو الفن كتقنية). ابتكر شكلوفسكي هذا المصطلح كوسيلة لـ«تمييز اللغة الشعرية عن اللغة العملية على أساس قابليتها للإدراك». وبأساسٍ أساسي، يُقدِّم فكرة أن اللغة الشعرية تختلف أساسًا عن اللغة التي نستخدمها في حياتنا اليومية، لأنها أكثر صعوبةً في الفهم: «الكلام الشعري هو كلام مشكّل. النثر هو كلام عادي - اقتصادي، سهل، مناسب، إن إلهة النثر [ديا بروساي] إلهة النوع الدقيق والسهل، إنه التعبير "المباشر" للطفل». هذا الفرق هو مفتاح خلق الفن ومنع «الآلية الزائدة»، الذي تجعل الفرد «يعمل كما لو كان بواسطة صيغة».
هذا التمييز بين اللغة الفنية واللغة اليومية، بالنسبة لشكلوفسكي، ينطبق على جميع الأشكال الفنية.
إنّ الهدف من الفن هو أن يُبَلِّغَ بإحساس الأشياء كما تُدرك وليس كما هي معروفة. تقنية الفن تكمن في جعل الأشياء «غريبة»، لتجعل الأشكال صعبة لتزيد من صعوبة ومدّة الإدراك، لأن عملية الإدراك تعد هي ذاتها هدفًا جماليًّا يجب أن يُطال.
وهكذا، يعمل التعجيب على أن يكون وسيلة لإجبار الأفراد على التعرف على اللغة الفنية:
عند دراسة الكلام الشعري في هيكله الصوتي والمعجمي، وكذلك في توزيع الكلمات الخاص وفي الهياكل الفكرية المميزة المُركَّبة من الكلمات، نجد في كل مكان العلامة الفنية - أي، نجد مواد تم إنشاؤها بوضوح لإزالة آلية الإدراك الآلي؛ إن هدف الكاتب هو خلق الرؤية التي تنتج عن ذلك الإدراك غير المألوف. يخلق العمل «بشكلٍ فني» حتى يتعثر الإدراك به، ويتم إنتاج أقصى تأثير ممكن من خلال بُطء الإدراك.
إن هذه التقنية تهدف بشكلٍ خاص إلى أن تكون مفيدة في التمييز بين الشعر والنثر، فقد كما قال أرسطو، «يجب أن تبدو لغة الشعر غريبةً ورائعةً».
وكما ناقشت الكاتبة أنايس نين في كتابها «رواية المستقبل» الصادر عام ١٩٦٨:
إن وظيفة الفن هي تجديد إدراكنا. فما نعتاده في الرؤية، نتوقف عن رؤيته. يهزّ الكاتب المشهد المألوف، وكأنه بالسحر، نرى معنى جديدًا فيه.
بحسب نظرية الناقد الأدبي أوري مارغولين:
تتمثل وظيفة الأجهزة الأساسية في إجراء استبدال لما أصبح مألوفًا أو تم اعتباره كذلك، وبالتالي يتم تصوره تلقائيًّا. ومع التعجيب يأتي كل من إبطاء وزيادة الصعوبة (عرقلة) في عملية القراءة والفهم، واستدراك للإجراءات الفنية (الأجهزة) التي تسببها.
ببساطة، يقدّم الفن الأشياء من زاويةٍ أخرى. يأخذها خارج إدراكها التلقائي واليومي، ممنحًا لها حياة في ذاتها وفي انعكاسها في الفن.
قال شكلوفسكي إن الحياة اليومية «فقدت نضارة إدراكنا للأشياء»، وجعلت كل شيء آليًا. كمنقذ لما تم استبعاده بواسطة التلقائية، يدخل الفن بانتصار. تكمن تقنيته للخلاص في جعل الأشياء غريبة «لإنشاء أشكال معقدة، وزيادة الصعوبة وتمديد الإدراك، حيث إنه في علم الجمال، عملية الإدراك هي هدف في حد ذاتها وبالتالي يجب أن تُطال». «كما يُلاحظ، فإن التغريب لا يؤثر على الإدراك بذاته، وإنما على تقديم الإدراك. عملية التمثيل، يطلق عليها شكلوفسكي "الكشف عن تقنية"».
في الشعر الرومانسي
تظهر هذه التقنية في شعر الرومانسي الإنجليزي، ولا سيما في شعر ورادسوورث، وقد تم تعريفها بالطريقة التالية من قبل صمويل تايلور كولريدج، في كتابه «السيرة الأدبية الذاتية»: «أن يحمل مشاعر الطفولة إلى قوى الرجولة؛ أن يجمع بين إحساس الطفل بالدهشة والجديد مع الظواهر التي جعلتها الحياة اليومية على مر السنوات الأربعين قد أصبحت مألوفة... هذه هي طبيعة وامتياز العبقرية».
في الأدب الروسي
لشرح ما يقصده من التعجيب، يستخدم شكلوفسكي أمثلة من تولستوي، الذي يذكره بأنه استخدم هذه التقنية في أعماله بشكلٍ مستمر: «مثلاً، السرد في 'خولستومير' يتم من وجهة نظر حصان، وهو وجهة نظر الحصان (وليس الإنسان) التي تجعل محتوى القصة يبدو غير مألوف». كشكلي روسي، يستخدم شكلوفسكي العديد من الأمثلة من مؤلفين روسيين ولهجات روسية: «وحاليًا، ماكسيم غوركي يغير لغته من اللغة الأدبية القديمة إلى اللغة العامية الأدبية الجديدة لليسكوف. بهذه الطريقة تغيرت اللغة العادية واللغة الأدبية مواقعها (انظر أعمال فياتشيسلاف إيفانوف وغيرهم كثير)».
إن التعجيب يشمل أيضًا استخدام اللغات الأجنبية ضمن العمل. في ذلك الوقت الذي كتب فيه شكلوفسكي، حدث تغيير في استخدام اللغة في الأدب وفي اللغة الروسية اليومية. كما يعبّر شكلوفسكي عن ذلك قائلاً: «اللغة الأدبية الروسية، التي كانت في الأصل غريبة على روسيا، اخترقت اللغة الشعبية حتى امتزجت مع محادثاتهم. من ناحية أخرى، بدأ الأدب الآن في الاتجاه نحو استخدام اللهجات أو البَرابريّات».
يمكن أن تكون الأحداث السرديّة أيضًا تعجيبية. قام الشكليّون الروس بالتمييز بين القصة الأساسية للسرد (١) وبين تكوين القصة الأساسية في حبكة ملموسة (٢). بالنسبة لشكلوفسكي، يُمثِّل الرقم (٢) التعجيب للـ(١). يستشهد شكلوفسكي برواية «تريسترام شاندي» للكاتب لورنس ستيرن كمثال على قصة تم تعجيبها بواسطة حبكة غير مألوفة. يستخدم ستيرن تحريكات زمنية، انحرافات، وانقطاعات سببية (مثلاً، وضع التأثيرات قبل أسبابها) لتبطئ قدرة القارئ على إعادة تجميع القصة (المألوفة). ونتيجة لذلك، يجعل الرقم (٢) التعجيب للرقم (١).
مثال على ذلك هو مبدأ تصوير الأشياء للكاتب ليو تولستوي (على سبيل المثال، يستشهد بوصف الأوبرا في رواية «الحرب والسلام»):
على المسرح كانت هناك لوحات مسطحة في الوسط، وعلى الجوانب كانت هناك لوحات من الورق المقوى تُصوِّر الأشجار، وكان هناك قماش ممدود خلف اللوحات. في منتصف المسرح كان هناك فتيات يرتدين ثيابًا حمراء وتنانير بيضاء. واحدة منهن، سميكة جدًا، في ثوب أبيض حريري، جلست خصيصًا على مقعد منخفض، على الظهر كان ملصقًا من الورق المقوى الأخضر.
جميعهم كانوا يغنون شيئًا. عندما انتهوا من أغنيتهم، ذهبت الفتاة ذات الثوب الأبيض إلى غرفة المساعد، وتقدم رجل يرتدي سروالًا حريريًّا ضيقًا ذو أرجل سميكة، وكان يحمل ريشةً وخنجرًا، وبدأ في الغناء والتذرّع.
رجلٌ بسروالٍ ضيقٍ غنى بمفرده، ثم غنت هي. ثم توقف الاثنان عن الغناء، وبدأت الموسيقى تعزف، وبدأ الرجل بأصابعه يلمس يد الفتاة ذات الثوب الأبيض، وكان من الواضح أنه ينتظر الإيقاع مرة أخرى لبدء جزءه معها. غنوا معًا، وبدأ الجميع في المسرح يصفّقون ويصرخون، وأعرب الرجل والمرأة على المسرح عن انحنائهما.
أمثلة على التعجيب
فيما يلي بعض الأعمال التي تُبيّن التعجيب. تستخدم معظمها لغة غير تقليدية أو غير متوقعة، وتغييرات في وجهات النظر، وهياكل سرديّة متنوّعة، ووصف غريب لتفاجئ القرّاء وتدفعهم للتفكير بعمق في النص.
التحول أو المسخ لفرانز كافكا
ها هنا، البطل الإنساني يستفيق صباحًا ليجد نفسه فجأة محولًا إلى حشرة ضخمة. يُجدي كافكا مفهوم الإنسانية بتقديم شخصية أفكارها وعواطفها إنسانية ولكنها محاطة بشكل غريب ولا إنساني.
يوليسيس لجيمس جويس
هذه الرواية تتبع أحداث يوم واحد في حياة ثلاثة شخصيات أثناء قضائهم يومهم في دبلن، أيرلندا. يستخدم جويس هيكلًا سرديًا معقدًا، وتوازي مع أوديسة هوميروس، وتيار الوعي، وتجربة لغوية لجعل ليس فقط عملية الكتابة والقراءة مألوفة، بل اللغة ذاتها غير مألوفة.
في انتظار غودو لصمويل بيكيت
رجلان متشردان يلتقيان تحت شجرة بلا أوراق، يشاركان في مجموعة من المناقشات بينما ينتظران الشخصية الموجودة في العنوان، التي لا تأتي أبدًا.
هذه المسرحية تُجدي غربة الجمهور من تقاليد السرد من خلال تقديم سرديّة ثابتة، دائرية، وهمية. غودو لا يأتي، والحبكة لا تتقدم، ويُجبر الجمهور على إيلاء مزيد من الاهتمام للحوارات العشوائية واللقاءات التي تحدث بالفعل.
هدف التعجيب هو جعل الشيء غريبًا وغير مألوف حتى يضطر القارئ للنظر إليه بطريقة مختلفة. وهذا يحوّل الشيء من شيء عادي إلى شيء فني.
من خلال استخدام التعجيب، يمكن للكتّاب توضيح كيف يتقاطع الفن والواقع. إنهم قادرون على إدخال المزيد من الأشياء في نصوصهم، مما يمنح القرّاء الفرصة لاستخلاص معاني أكثر والتفكير بشكل أكثر نقدية حول الأدب.