الأسلوب السردي
من الأشياء الجميلة والمفيدة التي صادفتها أثناء قراءتي لكتاب يحتوي مختارات لأفضل القصص القصيرة في الأدب الإنجليزي، كان تقسيم تلك القصص التي يحتويها الكتاب تبعا لأسلوب السّرد الذي كُتبت به. التعرّف على أساليب السرد يتيح لهواة الكتابة الأدبية اختيار الطريقة أو الأسلوب الأمثل للتعبير عن أفكارهم.
ما هو الأسلوب السردي؟
عندما أتكلم عن السرد و أساليبه فإنني أشير إلى الطريقة التي يعبّر فيها الكاتب عن فكرته، سواء تجسّدت تلك الفكرة في نص ساخر، أو هزليّ، أو غير ذلك. الأسلوب السردي لا علاقة له بالنبرة أو النغمة التي يتحدث فيها الكاتب. فمثلا القصص الساخرة يطغى على النص فيها نبرة السخرية، و يظهر ذلك جليّا في الكلمات والعبارات الساخرة المباشرة أو غير المباشرة التي يستخدمها الكاتب أثناء سرده للأحداث، إنما الإطار التي توضع فيه تلك القصة يختلف من أسلوب سردي لآخر.
أنت الآن، ككاتب، باستطاعتك مثلا أن تعبّر عن فكرة معيّنة بأسلوب ساخر عن طريق حوار داخلي يجري في ذاكرة شخصية من شخصيات النص الأدبي الذي تكتبه؛ هذا الحوار يُسمّى في الأدب: المُونُولوُج. ذلك أحد الأساليب المتبعة في السّرد. وإليكم أساليب السرد:
المونولوج الباطني أو الداخلي
هكذا يُسمى إذا استُخدم في القصص القصيرة أو الروايات أو القصائد، لكنه يُعرف بـ مناجاة النفس إذا ما استُخدم هذا الأسلوب في نص مسرحي. يظهر المُونُولوج الباطني في النصوص الأدبية على هيئة نص، بينما يظهر في المسرح على هيئة حديث يسمعه الجمهور. بكل الأحوال فالمعنى واحد. المونولوج الباطني هو حديث يدور في خاطرة شخصية من شخصيات النص الأدبي.
لنقُل أنك جلست على شرفة منزلك لوحدك والبحر أمامك قُبيل غروب الشمس. أثّر المنظر فيك فبدأت تحاور نفسك قائلا "سبحان الله، ما الذي جعل هذه الشمس تضيء لملايين السنين دون أن تنطفئ؟!" ثم تستكمل حديثك "يا له من منظر خلاب!" و يعقب ذلك "لماذا لم أنزل إلى البحر اليوم؟ يجب أن أتصل بأحمد غدا لكي ننزل سويا". وهكذا...
لو حوّلت هذا الحوار، الذي جرى في داخلك، إلى نص أدبي مكتوب، فإنك بذلك تعبّر عن أفكارك بأسلوب المونولوج الباطني. لاحظ كيف أن العبارات التي وردت بين علامات الاقتباس غير مترابطة وغير متجانسة، وهذا فعلا ما يحدث عندما نفكر. هكذا يكون المونولوج. إذن عندما تختار كتابة قصة قصيرة أو خاطرة لتبيّن ما تحدّثك به نفسك، فلابد من اتباع أسلوب المونولوج في السرد.
المونولوج المسرحي
هذا الأسلوب السردي يشبه المونولوج الباطني إنما يأخذ شكل حوار مع طرف آخر. و هذا الأخير – أي الطرف الآخر – لا نعرفه إلا من خلال ما يقوله المتكلّم أو الراوية في النص. كما أننا لا نعرف المكان الذي يتحدث منه المتكلم سوى من خلال حديثه. إليكم مثال مع شرح أدرجه بين قوسين.
أهلا بك سيدتي (المتكلم يخاطب سيدة) لا أحد في البيت (المتكلم موجود في بيت) كلا لم أرها اليوم (سألته السيدة عن أحد ما) ولكنني سمعت السيد يقول أنه سيأخذ القطة معه ليكشف عليها الطبيب (إذن فالمتكلم يمكن أن يكون خادما، وسيدته تسأله إن كان قد رأى القطة.
نستطيع أن نستنبط أن السيدة متزوجة وأن القطة مريضة وأن أوضاع أهل هذا البيت ميسورة بسبب إقتنائهم لقطة وعرضها على طبيب بيطري إلخ...).
الرسائل البريدية
حوار يجري بين طرفين في القصة القصيرة من خلال الرسائل البريدية. نقرأ في النص رسالة موجهة من شخصية إلى أخرى. ويمكن ان تكون القصة عبارة عن رسائل متبادلة، بحيث نقرأ الرسالة والرد عليها من الطرف الآخر. ويعتمد أسلوب الرسائل النصية بشكل أساسي على المونولوج، بحيث نقرأ في القصة ما يدور في ذاكرة الشخصيات، و ذلك من خلال ما هو مكتوب في الرسائل. هناك روايات بأكملها كُتبت بهذا الأسلوب السردي، وتُدعى بالروايات الرسائليّة.
اليوميّات
وهي المذكّرات، إحدى الأساليب التي تُكتب فيها القصص والروايات. هذا النوع من الأدب يمارسه الكثير من الناس على المستوى الشخصي و ليس الأدبي – مثال على ذلك الرواية "خبز على طاولة الخال ميلاد. لكن في عالم الأدب، نرى الكثير من القصص والروايات تعرض يوميات شخصية معينة.
السرد الشخصي
هو ما يعتبره النقّاد سردا غير موضوعي. وكونه غير موضوعي لا يعني أنه سيء، بل لابد من اللجوء إليه في حالات عديدة ولأهداف معيّنة. يتمثل هذا الأسلوب السردي بوجود شخصية واحدة تروي لنا ما يجري من أحداث في قصة قصيرة أو رواية. و تكون تلك الشخصية كالمراسل الصحفي الذي ينقل ما يجري من أحداث حوله وينقل كلام هذا أو ذاك. يتميز هذا الأسلوب عن المونولوج المسرحي بوجود شخصيات في النص تتكلم وتتصرف بشكل طبيعي و تحاور الآخرين، إنما من ينقل كلامها وأفعالها هو الراوي الذي يقص على القرّاء ما يجري.
السرد الموضوعي
أصبح لدينا الآن عدة شخصيات في القصة تنقل لنا ما يجري، فبدلا من أن نجد حوارات بهذا الشكل "عندما سألته عن أبيه، قال إنه بخير..."، سنجدها كالآتي:
- أحمد: كيف حال أبيك؟
- عصام: بخير.
لم يعد الراوي يتدخّل بأجوبة الشخصيات الموجودة في القصة، إنما باتت كل شخصية تتصرف وكأنها راوي مستقل. و بدلا من أن ينقل لنا الرواي – مثلا – ما تقوله الشخصيات الأخرى بحقّه، الآن سنسمع رأيها به من خلالها مباشرة. و من هنا، لم يعد السرد مقتصرا على وجهة نظر شخصية واحدة في النص.
يبقى أخيرًا عدة أساليب أخرى كالسيرة الذاتية التي يمكن استغلالها في عمل أدبي أو مسرحي، حيث ينقل لنا الراوي سيرة حياته بأسلوب أدبي، أو يقصّ علينا سيرة حياة شخصية أخرى أو ما يسمّى بالسّيرة.
عند استخدام هذه الأساليب في أي فقرة، يكون لها تأثير مختلف تمامًا على القارئ. ككاتب أحاول استخدام العديد من الأساليب هنا. نحن بحاجة إلى تقنيات السرد لإخراج عمل جيد.
بالطبع، بقدر ما تحتاج إلى تقنيات السرد، يتطلب الأمر عملًا شاقًا لتكون جيدًا في الكتابة. لذلك، سيكون من مصلحتك أن تكتب كل يوم أو على الأقل عدة مرات في الأسبوع لتقوية تعبيرك.